المحرر +CNN
خلّفت الزيارة التي قام بها قبل أيام وزير جامعة الدول العربية في الجزائر، عبد القادر مساهل، إلى سوريا ولقائه برموز النظام السوري، موجة من الانتقادات وسط أحزاب المعارضة الجزائرية، وازدادت الانتقادات حدة بعد الغارات الجوية التي اتُهِمت قوات نظام بشار الأسد بشنها على حلب تحت ذريعة محاربة الإرهاب، ممّا أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين العزل، بينهم أطفال.
ففي الوقت الذي قرأت فيه أغلب التحليلات، زيارة مساهل إلى دمشق على أنها رد فعل سياسي مباشر من قبل الجزائر على بيان ومواقف مجلس التعاون الخليجي الداعمة للمغرب في قضية الصحراء، سارع مساهل إلى توضيح خلفيات الزيارة، في ندوة صحفية عقدها بمقر الإذاعة الوطنية، قائلا إن “موقف الجزائر من الأزمة السورية مرتبط بالدعم اللامشروط لدمشق للثورة الجزائرية”.
وبرّر مساهل موقف الجزائر من دعمها لدمشق بأنها ضد الإرهاب انطلاقا من تجربتها إبان العشرية السوداء”، شارحا في الوقت نفسه موقف الدبلوماسية الجزائرية من أن الزيارة كانت بمناسبة عيد استقلال سوريا، حيث كان الهدف منها، حسبه، “تحقيق المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية، وكانت أيضا “من أجل إدانة الإرهاب”.
وتتباين التفسيرات لهذه الزيارة، فبينما يتفهم البعض موقف الدبلوماسية الجزائرية الرامي إلى إخراج سوريا من العزلة والحصار المفروض عليها بالنظر إلى العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وعمقها التاريخي، ينظر البعض الآخر إلى هذا الموقف باعتباره “تخريبي” ورد فعل على موقف دول الخليج من موقف الصحراء ودعمها للمعارضة السورية.
علي حسين: سوريت تتعرَّض للإرهاب ممّا يحتم وقوف الجزائر معها
وبين هذا وذاك، يحاول كل طرف، ممن تحدثت إليهم CNNبالعربية، الإشارة إلى زاوية من الموضوع ، على غرار المحلل السياسي السوري محمد علي حسين، الذي يرى أن المواقف السورية الجزائرية متطابقة في الكثير من القضايا خاصة من القضية الفلسطينية، فالجزائر “تعرضت للإرهاب الداخلي من قبل جماعات إسلامية من طرف بعض الدول وقتئذك، والآن، تتعرض سوريا لنفس الأزمة ولنفس الإرهاب، لذلك تكون هذه العلاقات متكافئة ومتوازنة ومتطابقة إلى حد كبير”، يقول المحلل.
وحول ما إذا كانت الزيارة تندرج في إطار الرد على مواقف دول الخليج، يقول حسين في حديثه لـ CNN بالعربية، “حتى لا نربط المسألتين ببعضها، يمكن أن يكون أحد عوامل الزيارة هو رد الفعل، مستدركا كلامه: “من المفترض أن تكون هذه الزيارات المتبادلة، ومن المفترض ألا تترك الدول العربية سوريا لوحدها في هذه الأزمة، وخاصة أن بعض الدول تعاني من نفس الإرهاب ومنها دول المغرب العربي خاصة تونس”.
إبراهيم: الجزائر تدعم سوريا كي تمنع تحريرها من نظام الأسد
أما الكاتب الصحفي السوري، غسان إبراهيم، المقيم في لندن، فله مبررات أخرى، بحكم أن النظامين متشابهين في نفس الطبيعة ونفس الممارسات، إذ يرى أن الزيارة الأخيرة جاءت في شكل رد فعل “تخريبي” لأن الجزائر ‘تشعر أن دول الخليج العربي تقف مع حق المغرب في الصحراء الغربية.. كما أنها تقف مع المعارضة السورية”.
وأضاف غسان أن الجزائر تقيم علاقات مع نظام بشار الأسد من “باب التخريب على الدور العربي لتحرير سوريا من الاحتلال الإيراني واحتلال الأسد لسوريا”، معتبرا تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين “ليس لها قيمة لهذه الدرجة”، فالجزائر، حسبه، “ليس بمقدورها إعطاء الشرعية لنظام الأسد ولا بشار يستطيع هو الآخر أن يعطي الشرعية للنظام الجزائري”.
وعكس ما ذهبت إليه بعض التحليلات، يرى غسان أن ما عاشته الجزائر مختلف عما تعيشه سوريا اليوم ومحاولة التشبيه بينهما، ينظر إليها محدثنا على أنها سياسة جزائرية سورية هدفها “التشويش”، قائلا في هذا الصدد: “ما حدث في الجزائر عليه علامات استفهام كثيرة ومحاولة مقارنته بالشأن السوري أمر مضلل”.
كما اتهم غسان في حديثه لـ CNN بالعربية، النظامين الجزائري والسوري بـ “أنهما يشتركان في صناعة الجماعات الإرهابية ثم مكافحتها لاكتساب الشرعية”، في إشارة منه إلى ما يحدث الآن في سوريا وما حدث سنوات التسعينات في الجزائر.
بلية: الجزائر تقف دائمًا إلى جانب الشرعية
وخلافا لما ذهب إليه المحللون السوريون، ينفي الباحث الجزائري الدكتور الحبيب بلية أستاذ العلوم السياسية فرضية دعم الجزائر لنظام الأسد، إذ يقول في هذا الشأن “تظل الجزائر وفية لمبادئ سياستها الخارجية القائمة تقليديا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى عموما وبالأخص الدول الشقيقة منها، كما أن الجزائر عادة ما تقف إلى جانب الشرعية بغض النظر عمن يتولى السلطة”.
كما ذكّر بلية خلال حديثه لـ CNN بالعربية بتحفظ الجزائر على قرار جامعة الدول العربية القاضي بطرد ممثل سوريا في الجامعة، كما عارضت بشدة محاولة منح هذا المقعد للمعارضة، مدافعا عن الموقف الجزائري قائلا : “نفس هذه المبادئ التي تحكم السياسة الخارجية الجزائرية هي التي جعلت الجزائر لا تشارك في القوى العربية المشتركة والتحالف الإسلامي، وحالت دون مشاركتها في عاصفة الحزم في اليمن بقيادة السعودية “.
علاوة على ذلك، فإن “ما يجري في سوريا، يعدّ في نظر المقاربة الجزائرية الرسمية في خانة الأزمات الداخلية التي تتطلب حلولا سياسية سليمة داخلية، إلى جانب أن الجزائر عانت من أزمة داخلية في التسعينات شبيهة بالأزمة السورية الحالية، كما يجعلها حساسة إزاء أي تدخل أجنبي”، من وجهة نظر بلية.
مالك: الجزائر تعادي ثورات الربيع العربي
من وجهة نظر مختلفة، عدّد الكاتب الصحفي والضابط السابق في الجيش الجزائري أنور مالك عدة أسباب جعلت الجزائر تقف مع نظام الأسد، أبرزها أن “الجزائر تعادي ثورات الربيع العربي منذ بدايتها ولذلك تخندقت مع أنظمة ضد ثورات شعبية”، حيث اعتبر مالك، أن علاقة النظامين لم تكن وليدة الثورة وقد كان هناك تعاون أمني وتنسيق على مستويات مختلفة.
وأشار مالك في حديثه لـ CNN بالعربية، إلى أن “الجزائر في سياستها الخارجية لا تتخندق حيث يكون المغرب الذي كان من أوائل من ساندوا ثورة الشعب السوري، ولهذا نرى الجزائر سارت في الاتجاه المعاكس”.
وتبقى من أهم الأسباب التي دفعت الجزائر إلى دعم نظام الأسد، حسب مالك، كون الجزائر ” من الدول التي كانت مرشحة لاندلاع ثورة شعبية بها لاعتبارات عديدة ومنها تجربة التسعينات الدامية، وعلى أنها ستكون المحطة الموالية بعد سوريا”، لذلك، يعتقد أنور مالك أن ” الجزائر عملت مع دول كثيرة على إفشال هذه الثورات بكل الوسائل ومنها دعم الأسد”.