المحررـ متابعة
حطم الجنرال دو ديفيزيون محمد حرمو كل الأرقام القياسية في التنقيلات. ويرى المتتبعون للشأن الأمني في المغرب، أن القيادة العليا للدرك الملكي أحدثت تغييرات على مستوى مراكز المسؤولية، من خلال تنقيلات وإعفاءات بجهاز الدرك على الصعيدين المركزي والجهوي، همت كبار المسؤولين برتب مختلفة، فاق حجم الحركية التي عرفها الجهاز الأمني بالمغرب في أعقاب انقلاب الصخيرات.
تلقى حرمو الضوء الأخضر من القصر وبجرة قلم أحال جنرالين على التقاعد و48 ضابطا ساميا، من بينهم 8 عناصر برتبة كولونيل وكولونيل ماجور، فيما تم إعفاء ضباط آخرين من مهامهم التي تم إسنادها إلى كفاءات بديلة. ومع مرور الأيام ترددت في ردهات القيادة العامة للدرك حكاية «الأيادي النظيفة»، التي رفعها أتباع حرمو في ما يشبه طي صفحة الجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان، وإبعاد رجاله ونسائه أيضا عن دائرة القرار.
تغييرات في جهاز الدرك
قبل أن تلفظ سنة 2017، ذكر بلاغ صادر عن الديوان الملكي، أن الملك محمد السادس بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، قد استقبل بالقصر الملكي بالرباط، الجنرال دوكور دارمي بوشعيب عروب والجنرال دوكور دارمي حسني بنسليمان وكذا الجنرال دوديفزيون محمد حرمو. وبهذه المناسبة شكر الملك الجنرالين بوشعيب عروب وحسني بنسليمان على الخدمات التي أسدياها للأمة.
وكان الملك قد عين الجنرال دوكور دارمي عبد الفتاح الوراق في منصب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، خلفا للجنرال بوشعيب عروب، المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية. وخلال الاستقبال، عين الملك في منصب قائد الدرك الملكي الجنرال دوديفزيون محمد حرمو، الذي كان يشغل منصب قائد لسرية فيالق الشرف التابعة للدرك الملكي. وقبل أن يغادر عروب وبنسليمان القصر وشحهما الملك بالحمالة الكبرى لوسام العرش. بلاغ القصر قال إن الجنرالين عروب وبنسليمان بصما على مسار مهني مميز، «تحت قيادة المغفور له الملك الحسن الثاني، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بحس عال من التفاني والولاء، خدمة للمصالح العليا للأمة، مع نكران تام للذات في تأديتهما لمهامهما».
في اليوم الموالي، سلم الجنرال دو كور دارمي مفاتيح بعض السيارات التي كانت موضوعة رهن إشارته، وأعلن في بيته بحي بئر قاسم بالرباط حالة استنفار، حيث قرر التخلص من السلطة التي مارسها لسنوات، وشرع بالمقابل في تحضير نفسه ومحيطه للمرحلة المقبلة.
بنسليمان يتخلص من مناصبه الرياضية
التحق حسني بنسليمان بصفوف القوات المسلحة الملكية المغربية، بعدما تلقى تكوينا في مدرسة «سانتسير» الفرنسية، في عام 1965 وعين قائدا لوحدات التدخل السريع. وفي عام 1967 عين نائبا للمدير العام للأمن الوطني، قبل أن يتولى مهام عامل على كل من أقاليم طنجة والقنيطرة ومكناس، وفي أعقاب الانقلاب الفاشل سنة 1972 ضد الملك الراحل الحسن الثاني تمت ترقيته إلى رتبة قائد للدرك الملكي، وهو المنصب الذي بقي يتولاه إلى حدود بداية شهر دجنبر من العام الماضي.
لعب حسني بنسليمان دورا كبيرا في تهدئة الأوضاع يوم انقلاب الصخيرات، فقد أحبط محاولة السيطرة على إذاعة طنجة، وحول هذا المنبر إلى صوت مضاد لنوايا الانقلابيين. وترجع علاقة بنسليمان بالملك الحسن الثاني إلى فترة كان فيه الحسن وليا للعهد، إذ عاش معه مخاض إنشاء فريق الجيش الملكي، حيث سبق للجنرال حسني بنسليمان أن لعب بصفوف النادي العسكري لكرة القدم، كحارس مرمى قبل أن يترك الملاعب لمزاولة مهامه العسكرية. وفي عام 1994، عينه الحسن الثاني رئيسا للجنة المؤقتة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. وفي عام 1996 تم انتخابه وأعيد انتخابه منذئذ بالتزكية رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إلى غاية 2009. بل إن حسني بنسليمان ظل أيضا رئيسا للجنة الأولمبية المغربية، إلى غاية 14 يونيو 2017، حيث تم انتخاب فيصل العرايشي خليفة له، حينها آمن الرجل أن التغيير قادم لا ريب فيه، وحين لاح شبح الإعفاء من زعامة الدرك أعلن الرجل استقالته من رئاسة الجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية، وهي الجمعية التي ضم إليها فريق عمل أغلبه من العساكر.
زلازل حسني بنسليمان كاتمة للصوت
نادرا ما كان يلجأ الجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان، إلى تغييرات على مستوى القيادة، أو أنه كان يفضل التغيير الصامت والزلزال الذي لا يثير حوله زوابع إعلامية، إلا إذا انتابت القصر غضبة من تصرف مسؤول دركي رفيع المستوى.
أبرز حالة أغضبت بنسليمان هي واقعة فندق «انتقريت بلاص» بالصخيرات، الذي نزل به ضيوف الملك من العيار الثقيل وأمراء مغاربة وخليجيون، والذي عرف مقتل حارس إثر حادثة سير تسبب فيها شاب متهور ادعى قربه من الأسرة الملكية، وكانت النتيجة إبعاد كولونيل الدرك الملكي سمير التريكي، الذي كان مقربا من حسني، ولم ينفع تدخل صهر الكولونيل (والد زوجته) الدكتور عبد الكريم الخطيب قبل وفاته.
كان التريكي أكثر من مجرد كولونيل يدير سرية للدرك الملكي، فقد كان صهره أقوى رجل في المربع السياسي، الذي تربطه علاقة عائلية مع الجنرال حسني بنسليمان، وهو أيضا ابن الطيب التريكي، الكاتب الخاص لمحمد الشرقاوي، زوج عمة الملك، الأميرة مليكة، كما أنه ترعرع مع أبناء شقيقة الملك الراحل الحسن الثاني، وكان من أقرب المقربين من مولاي عمر، نجل الأميرة سالفة الذكر..
أكثر من هذا أن سمير التريكي واظب على حضور أعياد ميلاد الملك، عندما كان وليا للعهد، وحضر خلال مناسبة الزفاف الخاصة لمحمد السادس، والتي لم ينل حظوة الدعوة إليها غير أقرب المقربين. كل هذا القرب لم يشفع له لدى الملك محمد السادس، الذي أمر بعزل سمير التريكي، الذي نجا من المساءلة والمحاسبة والمحاكمة بفضل تدخل عبد الكريم الخطيب.
قائمة المحالين على التقاعد همت 8 جنرالات موزعين بين جهازي القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، وتأتي استمرارا لتسونامي الإعفاءات والإحالة على التقاعد، حسب ما أورده منبر صحفي.
الجنرال مصمم.. العلبة السوداء للجنرال
يعد السطاتي المختار مصمم من أقرب المقربين للجنرال دو كور دارمي حسني بنسليمان، فالرجل كان رجل ثقة حسني وعلبته السوداء، شغل مناصب حساسة في جهاز الدرك وتحول إلى رئيس لديوان الجنرال الهادئ، ومسؤول عن المصلحة الأهم في الأركان العامة للدرك وهي مصلحة الموارد البشرية، وأكثر من ذلك أن المختار كان يعزف على نفس الوتر الرياضي الذي يتمايل معه حسني، بل إن المختار مصمم أصبح في فترة من الفترات، الرئيس الفعلي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بعد أن أقحمه في فريق الجيش الملكي، وكان يرأس في أكثر من مناسبة بعثات المنتخب المغربي، كما حصل في نهائيات كأس أمم إفريقيا في تونس وفي غانا.
كان الرجل يستمد سلطته من الثقة التي وضعها رئيس الجامعة فيه، منذ أن كان عضوا ضمن ديوانه بالقيادة العامة للدرك الملكي، المختار ابن الشاوية الذي يشكل قمة الوفاء للجنرال دو كور دارمي ويحرص وهو يحمل تعيينا في مقر الجامعة على بعد أمتار من القيادة، على أن يظل العين التي لا تنام، إذ يملك خطا مباشرا مع الرئيس يحمل عبر ذبذباته كل التفاصيل الصغيرة التي تبدو للبعض تافهة، لكنها بالنسبة إلى المختار ذات أهمية بالغة. كان مصمم يشتغل ضمن مصلحة الموارد البشرية للدرك الملكي، قبل أن يصبح الرجل الثاني في هذا الجهاز، الذي يشرف على كرة القدم بعدما ورثها عن عسكري آخر يدعى الكولونيل الزموري ورثها بدوره عن الجنرال باموس. وعلى امتداد مساره بالجامعة، ظل مصمم الآمر بالصرف بتفويض من الرئيس، بينما أوكل لأوزال ولبقية الأعضاء الجامعيين مهمة الحديث في الندوات واللقاءات الصحفية والظهور في الواجهة، في الوقت الذي حرص فيه المختار على أن يظل بعيدا عن فضول الصحافيين، يوجه تعليماته باسم رئيس الجامعة بعد استشارته طبعا في كل التفاصيل الصغيرة، معتمدا على خبرة إداري كان يحمل حينها رتبة كومندان اسمه، إدريس لكحل، قبل أن يصبح كولونيلا.
حين انتهت مرحلة بنسليمان، آمن مصمم بأن التغيير سيطوله، وأن موقعه كرجل ثان في جهاز الدرك سيضع نهاية لمساره، بل إن الرجل رفض الانتقال إلى حي ديور الجامع للإشراف على مصلحة الصحافة، لذا تخلى حرمو عن خدماته من أول فرصة، قبل إحالته على التقاعد.
الجنرال بوصبع.. آخر رفاق درب بنسليمان
ما إن أعفي الجنرال مصمم من منصبه، حتى عين مكانه الجنرال محمد بوصبع الذي كان يشغل منصب مدير العلاقات الخارجية بالقيادة العامة للدرك الملكي، وذلك في إطار التغييرات التي تعرفها قيادة الدرك الملكي، منذ وصول حرمو إلى كرسي القيادة.
عين حرمو بشكل رسمي بوصبع مديرا للموارد البشرية بالقيادة العامة للدرك الملكي، خلفا للجنرال مختار مصمم الذي كان معروفا بقربه من الجنرال دوكور دارمي حسني بنسليمان. بوصبع يعتبر من خيرة الكفاءات في قيادة الدرك، بل إن البعض كان يرشحه لخلافة الجنرال حسني بنسليمان، كما سبق لهذا المسؤول الدركي أن قضى على رأس القيادة الجهوية للدرك الملكي بالدار البيضاء أكثر من عشر سنوات، قبل أن يعين في القيادة العامة منذ شهر ماي 2012، ويخلفه الكولونيل إدريس أمجرار.
ضرب زلزال حرمو الجنرال دوبريكاد بوصبع، رئيس مصلحة الموظفين السامين، ورئيس العلاقات الخارجية، والذي سبقت إزاحته من مهامه هو الآخر منذ سنة، ليتم الحسم في مصيره المهني بإحالته على التقاعد رسميا، علما أن مهامه على رأس المصلحة المذكورة أسندت إلى الكولونيل الحليمي، نجل المندوب السامي للتخطيط. وبهذه الإعفاءات يكون الجنرال دوكور دارمي محمد حرمو قد استكمل التصفية النهائية لتركة بنسليمان، علما أن التغييرات تجاوزت إحالة جنرالين على التقاعد، بل شملت 48 ضابطا ساميا، من بينهم 8 عناصر برتبة كولونيل وكولونيل ماجور، فيما تم إعفاء ضباط آخرين من مهامهم، التي تم إسنادها إلى كفاءات بديلة.
التغيير يضرب المصالح الاجتماعية للدرك
شملت التعيينات الجديدة إلحاق العقيد لعلج مشرفا على مصلحة الوقود، وتكليف العقيد هشام لمنيعي بالإشراف على مصلحة حظيرة السيارات، وإسناد مصلحة المنح إلى الكولونيل بوشقيف. والكولونيل عبدالصمد متوكل على رأس مصلحة التجهيزات السكنية للدرك، لكن سيف الإقالة لم يقتصر على الجنس الخشن، فقد ضرب العنصر النسوي أيضا، إذ إن الجنرال محمد حرمو أعفى ضابطة سامية برتبة كولونيل، من مهامها بالمصالح الاجتماعية للدرك الملكي، وعين بدلها الكولونيل غنام.
دواعي التغيير جاءت بعدما توصل القائد الجديد للدرك بتقرير يفيد بأن «عدد الموظفات بالمصالح الاجتماعية للجهاز كثير مقارنة مع باقي المصالح، في الوقت الذي تعاني فيه أقسام أخرى خصاصا مهولا في الموارد البشرية، فأصدر أمرا بتنقيلهن إلى مصالح تكوين الأطر وأقسام أخرى، لإعطاء نفس جديد للعمل»، والحال أن بعض المسؤولات كن محميات من قبل صقور مقربين من الجنرال السابق حسني بنسليمان.
الأيوبي ينجو من الإبعاد عن قلعة النادي العسكري
في غمرة الحديث عن زلزال حرمو، قيل إن تسونامي الدرك طال العقيد الأيوبي، القائد السابق لمجموعة الدرك المتنقل دار السكة، وتم إعفاؤه من مهمته في تسيير المركز الرياضي للقوات المسلحة الملكية بسلا، وتعيينه مسؤولا عن مصلحة العتاد والتنقل، مع تعيين الكولونيل ماجور العتيريس مكلفا بالضباط السامين بدل الجنرال بوصبع الذي أحيل على التقاعد، لكن يبدو أن الأيوبي ما زال حاضرا في منصبه كرئيس ميداني للجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية المغربية، ربما لقربه من القصر. ونفى فريق الجيش الملكي لكرة القدم إعفاء الرئيس المنتدب، أبوبكر الأيوبي، من مهامه من قبل الجنرال محمد حرمو، رئيس الجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية.
وقال عبد الواحد الشمامي، الناطق الرسمي باسم الجيش الملكي، في تصريح صحفي إن خبر إعفاء الرئيس المنتدب، مثلما نشر في بعض وسائل الإعلام الوطنية، عار من الصحة ولا يستند على أي أساس، موضحا أن الترقية التي حظي بها الأيوبي، أخيرا، حاول أن يربطها البعض، بإمكانية رحيله بعد الخسارة التي مني بها الفريق أمام حسنية أكادير، وفي هذا الصدد تحدث قائلا: «خبر إبعاد الرئيس المنتدب أبوبكر الأيوبي ليس صحيحا، سيستمر في منصبه، وعمله يقوم به بشكل عادي كما سائر الأيام، هناك من حاول ربط ترقيته، أخيرا، بإمكانية الإبعاد وهذا غير صحيح»، وأضاف: «الرئيس يقوم بدوره كما ينبغي، ويواصل الوقوف على كل كبيرة وصغيرة».
عن يومية “الاخبار”