ربما كان لمأساتك التي أبكت العالم وأدمعت الجميع، وتابع الكبير والصغير تفاصيلها على حد سواء، وجه آخر، يكمن في التضامن الكبير الذي لقيته قضيتك والتعاطف الواسع الذي حظيت به، والحسرة الكبيرة التي خلفتها…قصة طفل صغير يقع في غياهب الجب، اعترضت عملية انقاذه صعوبات كأداء، لتلبي في النهاية نداء ربها، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله…؛
لقد أيقظت الفاجعة التي ألمت بذويك، وبقريتك وبوطنك، سيل تعاطف غير مسبوق، لقد ولدت مأساتك إنسانية الجميع، تلك الإنسانية المضمرة، التي اعتقدنا جميعا أنها ولت، بفعل فردانية جامحة، وأنانية فجة، وولاء ضيق لدائرة انتماء أضيق؛
تصريحات لمسؤولين كبار، لحكومات كبيرة، لدول عظيمة تعبر عن تضامنها ودعواتها بالنجاة، وبعد ذلك مواساة وتعاز…
مجامع ومساجد ُتتلى فيها الأدعية، وترفع فيها أكف الضراعة للباري لحفظك من كل مكروه، وتدعو له بالمغفرة والرضوان ودخولا للجنة من باب “الريان”…
جدات تبكي لحالك، متسمرة أمام شاشات التلفاز، ومختلف الأجهزة لمتابعة تفاصيل عملية إنقاذك، قبل أن يأخذها الذهول بسماعها لخبر وفاتك…
مشاهير الكون، تدبج تدوينات كلها حب، وتعاطف، وأسى وأمل لإنقاذك، لكنه تصطدم بمصيرك، فيزيدها ذلك تعلقا بقضيتك…
قناة الجزيرة، تقطع متابعاتها لمجريات الأحداث، لتقدم تغطية استثنائية لتفاصيل انقاذك، بتأثر واضح من صحفييها، قبل أن تذيع، بانكسار وحسرة، خبر وفاتك…
سيل الشباب الفدائيين المضحين بأرواحهم، تزف حياتها لإنقاذ طفل بريء قذفت به الأقدار إلى ظلمات الجب…
أطفال سوريا المكلومة تحمل صورك، وياله من تضامن صادر عن جهة في حاجة أيضا إلى تضامن…
الكل يعيد قراءة حكايات يوسف، ويونس…أملا أن ينفرج مصيرك، وأن يكون الجب سلاما عليك، كما كان الجب والحوت سلام على النبيين يوسف ويونس عليهما السلام، لكن إرادة السماء كان لها رأي آخر…
إنها صورة جديرة بالاهتمام، والاحتفاء، فأن يهب العالم كله نصرة لقضية طفل، أن ينسى الجميع صراعاته ونزاعاته، وتطاحناته، وأن يحتل هذا الخبر مانشطات الصحف، وأولويات الأحداث، يدعونا للسؤال عن لماذا؟ لماذا طفل في قرية نائية في مدينة في دولة من دول الجنوب، يحظى بكل هذا؟ إن الجواب، هو “إنسانية الإنسان”، التي جعلت الجميع يفكر في “ريان” وكأنه قضيته، وكأنه معني بنجاته، وكأن رابطا يربطهما أسمى من روابط الدم، والعائلة والوطن…لقد اكتشف الجميع “إنسانيته” التي حجبتها الحروب، وصراعات المواقع، واختلاف الرؤى، واكتشف أن “التضامن” هو السبيل لرفع كل تحديات “الإنسان”، و”الإنسانية”…
وداعا ريان، إن محنتك وألمك ومصيرك، لم يذهب سدى، لقد جعلت العالم يستدعي إنسانيته لنصرتك، وللدعاء معك، وللتعاطف مع محنتك ومآلك…فهل تسمو إنسانياتنا على كل ما يعكر صفائها بل ووجودها؟؟