المحرر الرباط
تجربة شخصية قادتني لاكتشاف عالم آخر لا يتحدث عنه أحد، رغم أنه يضم نساءا و رجالا يجب أن نفتخر بهم و بما يقومون به من مجهودات أشهد الله أنني قد لامستها و شاهدتها و أجد نفسي مرغما على تنوير الرأي العام يها، لأن وطننا يستحق أن نفتخر به، و لان الصحفي يحمل رسالة على عاتقه لعل اهم اركانها هو البوح بالحقيقة.
و انا اتواجد في مستشفى الاطفال السويسي بالرباط، كنت اتساءل لماذا لا يتحدث أحد عن الجانب المشرق لهذا المرفق العمومي، ولماذا لا يتم نقل ما يقوم به أناس يمارسون مهنة الطب و التمريض، بطريقة لم نسمع بها قط في وسائل التواصل الاجتماعي، و هي النقطة التي ارى انها كفيلة بمحو جميع السلبيات التي قد يصادفها المواطن و هو متوجه نحو هؤلاء.
ربما العديد من الاشخاص الناقلين الخبر، يلجؤون الى المصحات الخاصة و يعتمدون في نقل الاخبار على ما يتداوله الغاضبون مما يعتبرونه تعاملا سيئا، و هو انهم لا يستطعون رؤية فلذات اكبادهم بسبب التعليمات الصارمة الرامية لحمايتهم، او بسبب عنصر امن خاص يتصرف بطريقة غير لائقة، لكن الحقيقة غير ذلك تماما.
اول ما يلفت نظرك في قسم الاطفال بالرياط، هو التنظيم المحكم، و الاحترام التام لتعليمات الادارة، هذه النقطة بالذات دفعتني الى التساؤل عن السبب فيها، لاكتشف أن من تدير القسم هي البروفيسور أمينة بركات، المرجع الافريقي في طب الاطفال، و الكفاءة التي امضت عمرها في هذا التخصص، و استطاعت أن تكتب اسمها بحبر من ذهب في تاريخ الصحة المغربية.
ما تبذله امينة بركات، من مجهودات، جعل قسم طب الاطفال اكثر تميزا داخل المجمع الاستشفائي، و جعل من الاطباء و الممرضات العاملين فيه، خلية نحل لا تتوقف عن العمل، ليل نهار، يسهل اكتشاف ما يقومون به من مجهودات، الله وحده هو الكفيل بأدائهم أجورهم، بل و حتى عناصر الامن الخاص هناك يختلفون كثيرا عن زملائهم المتواجدين في باقي ارجاء المستشفى.
تحدتث مع بعض العاملين في قسم المستشفى و الى الحارس العام نفسه، فأكدوا لي ان هناك تعليمات صارمة من البروفيسور بركات، تقضي بضرورة اطلاع الاباء و الامهات على مستجدات الحالة الصحية لابنائهم الراقدين في القسم، و تحث على ان الاهم هو الحق في الحياة، الشيء الذي يجب التركيز عليه رغم جميع المعيقات التي قد يكون مصدرها الاباء و الامهات انفسهم.
امضيت اربعة ايام في ذلك القسم، و شاهدت كيف يعمل هؤلاء الابطال في صمت، و عاينت ارواحا كثيرة تم انقاذها، منها من عاش بمعحزة، و هي القصة التي روتها احدى الامهات التي لازالت ابنتها ترقد في العناية المركزة، حيث اكدت على أن العاملين بالمركز قد نزعو الاجهزة من جسمها و قدموا لها التعازي بعدما توقف قلب ابنتها بشكل مفاجئ، قبل ان تأتي طبيبة الى عين المكان على وجه السرعة، فقالت للحاضرين: “لم يسبق لطفل ان مات اثناء مناوبتي” فاخضعت الصغيرة لعلاجات اولية لتستعيد الحياة بفضل هذه السيدة التي لم يحصل لي الشرف كي اتعرف حتى على اسمها.
ما عشته من تجربة داخل قسم الاطفال بالسويسي، جعلتي اغير نظرتي عن قطاع الصحة ببلادنا، و اصبحت شبه متأكد من ان الوضع يسير نحو الاحسن، ربما لان ايت الطالب قد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، و أن الاجيال الجديدة تحمل فكرا حداثيا عن مهنة الطب، و هنا علمت جيدا لماذا اصر جلالة الملك على عودة خالد ايت الطالب الى منصبه، و كرأي شخصي، فأنا مواطن مغربي افتخر ببنات و ابناء و وطني في قسم الاطفال بالسويسي و أشكرهم على ما يقومون به و على رأسهم البروفيسور امينة بركات.