سعيد الكحل
خرجات محمد زيان، بمناسبة أو بغيرها، تدل دلالة قاطعة على أنه شخص فقد ملَكة الحساب والقدرة على ترجيح الأنسب. صار زيان يعتقد، منذ مدة ليست بالقصيرة، أن الدولة صارت من الرخوة ما شجعه على “إهانة رجال القضاء وموظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال وتهديدات بقصد المساس بشرفهم وبشعورهم وبالاحترام الواجب لسلطتهم، إهانة هيئات منظمة، نشر أقوال بقصد التأثير على قرارات القضاء قبل صدور حكم غير قابل للطعن وتحقير مقررات قضائية، بث ادعاءات ووقائع كاذبة ضد امرأة بسبب جنسها، بث ادعاءات ووقائع كاذبة بقصد التشهير بأشخاص عن طريق الأنظمة المعلوماتية، التحريض على خرق التدابير الصحية عن طريق أقوال منشورة على دعامة إلكترونية، المشاركة في الخيانة الزوجية، المشاركة في إعطاء القدوة السيئة للأطفال نتيجة سوء السلوك، المشاركة في مغادرة شخص للتراب الوطني بصفة سرية، تهريب مجرم من البحث ومساعدته على الهروب، والتحرش الجنسي”. وهي الجرائم التي حوكم على خلفيتها وأدين بثلاث سنوات سجنا نافذا.
وما لم يكن في حسبان زيان أن الجرائم التي يرتكب في حق الدولة وموظفيها لن يتم التغافل عنها مهما كانت سابقته في خدمة الدولة. فكون زيان كان وزيرا ثم نقيبا للمحامين لن يحميه من المتابعة القانونية متى ارتكب جرما. ومعلوم أن زيان ارتكب جرائمه عن وعي وسبق الإصرار والترصد، وفي تحد صارخ لمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية.
والمفروض في زيان، كوزير سابق لحقوق الإنسان، أن “يناضل” من أجل تقوية دولة القانون والفصل بين السلط، لكن حساباته الخاطئة أوهمته أن “النضال” في مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الفيديوهات التحريضية ضد النظام والدولة ومؤسساتها من شأنها أن تجعل منه شخصا فوق القانون ولا يخضع لمؤسسات الدولة.
لهذا استرسل زيان في إعداد فيديوهات وتنظيم ندوات صحفية الغاية منها مهاجمة الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية. فهو يهاجمها، ليس من أجل ضمان سيادة القانون، ولكن انتقاما من النظام الذي استغنى عن خدماته.
فزيان لم يستسغ إسقاط اسمه من لائحة الوزراء أو السفراء أو المناصب السامية، لهذا قرر تصفية حسابه مع النظام والدولة بركوب موجة “نضال اليوتيوب” في استهداف مكشوف لهما. طبعا لن يصدق عاقل خرجات زيان وشطحاته “النضالية”،وهو الذي تصدى للمناضلين الحقيقيين وترافع ضدهم أمام المحكمة وانتشى بالأحكام التي طالتهم، أنه فعلا يريد الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.
لن ينس المواطنون الشتائم والسباب اللذين فاه بهما زيان في حق ضحايا بوعشرين؛ بل لم يسأل نفسه ووزير حقوق الإنسان الذي كانه: هل من مبادئ حقوق الإنسان تبرير الاغتصاب وتحميل المغتَصَبات كامل المسؤولية لما تعرضن له؟ طبعا زيان لن يسأل نفسه هذا السؤال ولن يقبل سماعه من غيره. فهو مصرّ على النيل من كرامة الضحايا ضدا على القانون والأخلاق والقيم الإنسانية.
لم يكتف زيان بمهاجمة الدولة واستهداف مؤسساتها، وهو الذي كان العبد الخدوم لها، بل قرر الانخراط في مسلسل التشهير بالدولة واستهداف رموزها، والتحالف مع أعداء الوطن وخونته من مرتزقة وإرهابيين. وهو، بهذا الانخراط والتحالف، يثبت أنه أبعد ما يكون عن الوطنية الصادقة والنضال الشريف. ذلك أن المناضلين الشرفاء جعلوا ويجعلون مصلحة الوطن فوق كل الحسابات والاعتبارات، فلا يتآمرون عليه مهما كانت الإغراءات والمساومات. شعارهم في النضال والوطنية قول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام؟
علما أن زيان كان شخصا ذا حظوة في الدولة ولم يُعان قط من الجور أو الضن، بل من المواطنات والمواطنين من عانوا من جوره وظلمه هو دون أيرف له جفن.
لم يكتف زيان بارتكاب الأفعال الجرمية في حق الدولة والمواطنين، وإنما انضم إلى جوقة المتآمرين على الدولة. ومن الذين تحالف معهم زيان وانخرط في مخططهم العدائي، نجد محمد حاجب، الإرهابي الذي انضم إلى تنظيم القاعدة وقاتل ضمن عناصره في أفغانستان. فأي مصلحة يمكن لزيان أن يحققها بتحالفه مع حاجب غير إشاعة الفتنة واستهداف مؤسسات الدولة ورموزها. ذلك أن زيان وحاجب يجمعهما الحقد المقيت للأجهزة الأمنية المغربية لما تتميز به من حنكة وتجربة في رصد أنشطة الإرهابيين وتجار البشر والمخدرات، وكذا خبرتها الغنية في تفكيك الخلايا الإرهابية وشبكات التهريب الدولية. إذ بفضل يقظة الأجهزة الأمنية وخبراتها بات المغرب وكثير من الدول الصديقة تنعم بالأمن والأمان. لهذا، ليس صدفة أن يركز خونة المغرب على استهداف الأجهزة الأمنية والتشهير بها.
لقد اختار زيان الطريق المنحرف الذي قاده إلى السجن وأثبت له أن الدولة المغربية هي من القوة والحزم ما يجعلها لا تتردد في تطبيق القانون عليه وعلى أمثاله. ولعل زيان يدرك اليوم أن اعتقاله ليس قضاء وقدرا كما ظل يردد في الفيديوهات والندوات الصحفية، وإنما هو نتيجة حتمية لأفعاله التي يجرمها القانون. إذ كان على زيان، وهو المحامي وقيدوم النقباء، أن يختار أفعاله وتصريحاته بكل مسؤولية حتى لا تطاله سلطة القانون. فسنّه ووضعه الاعتباري كوزير سابق وقيدوم نقباء المحامين، من المفروض أن يجنباه ارتكاب الجرائم التي إدين بها.
فالذين استغلوه في صراعهم ضد النظام والدولة، أو الذين صفقوا لمهاتراته، لن يقدموا له أدنى مساعدة وهو اليوم خلف القضبان، ليس من أجل المطالبة بالحقوق والحريات، ولكن من أجل أفعال جرمية يعاقب عليها القانون. الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن زيان لم يكن يوما مناضلا سياسيا أو حقوقيا، حتى يزعم هو وغيره أنه معتقل رأي. إن الوقائع تثبت أن زيان فقد كل حِكمة وتبصر من شأنهما أن تنأيا به عن التحالف مع أعداء الوطن، وتبيّنا له أن النضال الحقيقي لا يكون بارتكاب الجرائم.باختصار، كما يقول المثل المصري “طبّاخ السّم بيذوقو”.