تعقد دول العالم اجتماعات ومشاورات عدة للبحث عن حلول للحد من ظاهرة تغير المناخ والتلوث وانبعاث الغازات الدفيئة المسببة لمشكلة الاحتباس الحراري، ففي سنة 1992 اعتمدت الأمم المتحدة خلال مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل “اتفاقية الأمم المتحدة الاطار بشان تغير المناخ”، كإطار عمل للتحرك ضد التغيرات المناخية، والتي تضم تقريبا كل دول العالم أي 195 دولة بالاضافة إلى الاتحاد الأوربي، والتي تسمى “بالأطراف. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تثبيت محتوى غازات الاحتباس الحراري في الهواء مما يساعد على الحد من تأثير الأنشطة البشرية على النظام المناخي العالمي .
منذ سنة 1995 التي انعقد خلالها أول مؤتمر الأطراف ببرلين والذي حدد لكل دولة أو منطقة سقف انبعاث الغازات الدفيئة ونسبة الانخفاض الملتزم بها، مع العمليات و الالتزامات السياسية الواجب القيام بها ، تجتمع دول العالم مرة واحدة كل عام لتقييم تطور التزاماتها وتنفيذ الاتفاقية، و للإشارة فقد تم إحداث هذه المؤتمرات من أجل الإشراف على جهود الدول الأطراف في الاتفاقية للتصدي لتغيرات المناخ، من خلال التنصيص على ضرورة حماية الأطراف للنظام المناخي لصالح الأجيال الحالية والقادمة.
في الواقع، فأي مدقق للنظر في هذه المؤتمرات، سيخرج بفكرة واضحة مفادها أن مؤتمرات الأطراف العشرين السابقة كانت تمر واحدة تلو الأخرى بمناقشات “عقيمة” لا طائل منها الى غاية المؤتمر 21 المنعقد بمدينة باريس سنة 2015، حيث تمكن خلاله المنتظم الدولي من إبرام اتفاق طموح وملزم للتصدي لتحدي تغيّر المناخ يسري على جميع البلدان، وهو نتاج مفاوضات حول المناخ هي الأكثر تعقيداً وشمولا وحساسية ، وقد سعى المؤتمر خلاله الى تحقيق هدفين أساسيين أولهما: التقليل من انبعاث الغازات الضارة لتفادي الارتفاع المتزايد فى حرارة الارض اما الامر الثاني فيتجلى في توفير ميزانيات للدول المتضررة خاصة بالقارة الأفريقية ( في حدود 100 مليار دولار تدفعها الدول المتقدمة)، وذلك لمجابهة المخاطر الناجمة عن تلك التغيرات المناخية وأهمها الجفاف ونقص الانتاج الزراعي والفيضانات والتصحر ونقص مياه الأنهار.
وإذا كانت اتفاقية كيوتو المعروفة باسم “بروتوكول كيوتو” والتي تم توقيعها في اليابان في شهر دجنبر سنة 1997م, لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد ثمان سنوات من توقيعها بالتحديد في شهر فبراير 2005م، فإن اتفاق باريس – الذي يلزم الدول للحفاظ على إرتفاع درجة حرارة الأرض أقل من 2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومحاولة الحد من إرتفاع درجات الحرارة عن 1.5 درجة، وضمان الوصول بالانبعاثات الي الصفر في النصف الثاني من هذا القرن- قد دخل حيز التنفيذ بعد أقل من عام على إبرامه، ويمكن اعتبار سرعة دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ كإشارة سياسة ايجابية و صريحة، تبعث بالتفاؤل على أن غالب أمم العالم ملتزمة بالتحرك الشامل والحاسم ضد التغير المناخي.
و يدق الخبراء ناقوس الخطر فيما يرتبط بارتفاع مستوى سطح البحر وتركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. كما يشير الخبراء أيضا إلى أن تأثيرات التركيزات الحالية لانبعاثات الغازات الدفيئة وصلت بالفعل إلى نهاية السيناريوهات المرتقبة. وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ارتفاع المعدل العالمي لتركيز أهم الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون ) في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية بلغت 400 جزء في المليون لأول مرة سنة 2015 وحطمت رقما قياسيا جديدا سنة 2016. كما ان العام الماضي كان الأشد حرارة على الاطلاق، و:”من المحتمل قدوم موجات حرارة بشكل متكرر ومتزايد مع استمرارها لفترات أطول”. ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض، يتوقع الخبراء أن نشهد المزيد من الأمطار في المناطق الرطبة حاليا والعكس في المناطق الجافة “.
ان مؤتمر كوب 22 الذي ستتواصل فعالياته إلى غاية 18 نونبر الجاري بمراكش، بعد دخول اتفاق باريس التاريخي بشأن المناخ حيز التنفيذ يوم الجمعة 04 نونبر 2016، والذي من المرتقب أن يشارك فيه العديد من قادة الدول الغربية و الافريقية، سيكون مؤتمر أفعال لترجمة العديد من المحاور المتفق عليها في ميثاق باريس إلى أرض الواقع من قبيل التكييف والتخفيف مع التغيرات المناخية ، والشفافية، ونقل التكنولوجيا مع العمل على ايجاد صيغ لبحث التمويل المقدم للبلدان النامية حتى تتمكن من الشروع في مسار اقتصادي جديد “منخفض الكربون”.