كادم بوطيب المحرر
لا ينكر إلا جاحد أن حفل افتتاح كأس العالم للأندية، الذي احتضنه ملعب “ابن بطوطة” بطنجة، مساء يوم أول أمس الأربعاء فاتح فبراير الجاري، اختطف الأضواء، بتقديمه فقرات فنية مميزة، عرّفت بتراث المملكة المغربية وأبرزت مدى انفتاحها على العالم. وهو الحفل الدي استهل بتكريم الرحالة المغربي ابن بطوطة، بكونه صلة وصل بين الثقافات والشعوب، ولمساهمته برحلاته المكوكية في انفتاح المغرب على العالم.
كلنا نعرف أن ابن بطوطة، الرحالة العربي الأشهر يغري دوماً بالبحث عن أي أثر له، فما بالك إذا كان قبره. تجوب المدينة القديمة في طنجة بين متاهة من الأزقة والزواريب الضيقة العديدة، والملتوية التي تؤدي إلى السوق الشعبي، وتفريعاته، حيث المصنوعات والمشغولات المغربية التقليدية المتنوعة، الأثواب والأحذية والأقمشة والتوابل.
من تلك البيوت العتيقة، وبعضها متهالكة الجدران، تُخرج النساء رؤوسهنّ من نوافد صغيرة للتفرج، والاطمئنان على الصغار. في أثناء سيرك بين هذا كله وغيره، تجد نفسك في زنقة “ابن بطوطة”، وتقودك خطواتك إلى قبر ابن بطوطة، وهنا يستولي عليك الذهول من أن يكون ضريح الرحالة المسلم الشهير في هذا الزقاق النائي والصغير.
متاهة من الأزقة الملتوية وسط مباني متداعية بطابعها التراثي، تجرك إلى زنقة “ابن بطوطة” بطنجة حيث يتواجد القبر المتواضع للرحالة الأسطوري ابن بطوطة. باب صغير مقفل ومجموعة من الأطفال يتسابقون فيما بينهم لكي يحضروا المفتاح من عائلة مجاورة تتحكم في من سيدخل القبر أو لا يدخله.
بالداخل غرفة صغيرة، مخيبة تماما لشخصية جابت الأرض طولا وعرضا واستقرت بين أربع جدران، ويغطي القبر قطعة قماش خضراء يكتسيها الغبار. “لا تبحثوا عن قبري في التراب بل في قلوبكم”، هكذا قال ابن بطوطة الذي أرخ العالم ترحالا وكتابة، وكأنه تنبأ بمصيره المجهول.
شيء هنا بحومة “جنان القبطان” بالمدينة القديمة لعاصمة البوغاز، يوحي أنك تسير في اتجاه ضريح أشهر أبناء طنجة على مر التاريخ، والذي يحج إليه السياح من كل فج عميق لإلقاء نظرة على قبر هذا الرحالة الذي يصفه الشعب الصيني ب”الأسطورة” باستثناء إشارة صغيرة بلون أحمر باهت، مكتوب عليها “ضريح ابن بطوطة”.
“هل هذا هو ضريح ابن بطوطة الذي يتحدث عنه الجميع؟ والدي ثم تكريمه في موندياليتو طنجة ، إنه كقبر شخصية يتيمة لم يشغل اسمه الدنيا؟ وجدنا صعوبة وتعبنا في الوصول إليه ؟ إنه مكان ضيق؟” ، هكذا يتهامس بصوت خافت وفد من سياح أجانب، فلا مجال هنا لرفع الأصوات فالساكنة المجاورة لابن بطوطة لا زالت نائمة كما هو شأن “طنجاوة” عندما يتعلق الأمر بيوم عطلة.
يقول مرشد سياحي كان يتحدث لنا بحماس كبير عن هذا الرحالة الأسطورة، سائلين إياه عن ظروف الاشتغال، وتصور السياح عن الرحالة “الطنجاوي”، فقال ضاحكا “ابن بطوطة فالسوق الداخل ماشي فملعب الكرة ….كان الأولى هو الإعتناء بقبره قبل تكريمة ويضيف دات المتحدث “معظم السياح الذين يأتون لطنجة يسألون عن ضريح ابن بطوطة، لكن للأسف نصطدم بالعديد من المعوقات، منهاـ يضيف المرشد السياحي الشاب ـ ضيق المكان، فلا مرافق ولا أي شيء، هذا إذا علمنا أن أغلب السياح من كبار السن يصعب عليهم الوصول إلى هنا بسبب الأزقة الكثيرة والملتوية، هذا فضلا عن الصعود والنزول، وبالتالي نحس في الكثير من الحالات باستهزاء غير معلن”.
قطعة مثبتة على الجدار الأمامي للضريح، كُتب عليها بالعربية والإنجليزية والفرنسية: ضريح ابن بطوطة. بناية بسيطة الشكل، تخلد ذكرى شخصية ذات صيت عالمي، اشتهرت بفضل رحلاتها عبر العالم خلال القرن الرابع عشر الميلادي. إنه أبو عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة، والمولود في هذه المدينة يوم 24 فبراير/شباط 1304م (17 رجب 703 هـ).
وأخيرا يمكن القول أن حفل التكريم الأسطوري البادخ لابن بطوطة جعل الجميع يتأسف لوضعية الضريح المتردية، ويعتبرها نتيجة لإهمال سياسية ثقافية شاملة؛ “بالنسبة للحالة المتردية التي يوجد عليها ، فهي تعكس جانبا من السياسة الثقافية المغربية، وهي سياسة تفتقد في مجملها إلى الاحترافية وبعد النظر في تدبير التراث الثقافي بمختلف مكوناته.
ويتابع مهتم بالمآثر التاريخية في طنجة بأنه “ليست هناك إستراتيجية ثقافية متكاملة من أجل حماية مثل هذه الآثار، سواء على مستوى النصوص القانونية وآليات الصيانة والترميم، أو على مستوى وضعها في سياق يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والسياحية لحماية هذه الآثار”..
وزاد بالقول إن الأمر لا يتعلق فقط بضريح ابن بطوطة، بل هناك العديد من البنايات في مدينة طنجة تشكل بالمعايير الدولية تراثا ثقافيا، لكنها في حالة جد مزرية”، مردفا أنه يجب ألا نعفي أيضا النخب المحلية من المسؤولية، فهي تفتقد للمصداقية السياسية والأخلاقية، ولا تملك أدنى تصور لدور التراث الثقافي بمدينة طنجة في بناء وصياغة الوجدان المحلي والوطني”.
الإهمال لقبر ابن بطوطة لم يقف فقط في حدود إعطاء مفاتيحه لعائلات مجاورة أو إلى عدم تخصيص ميزانية لإعادة ترميمه وإصلاحه أو الجهل التام بمكان دفنه، بل كاد الأمر يصل إلى احتراق الضريح برمته في سنوات مضت ، والتهمت النار مجموعة من الأغطية وقطع الثوب المحيطة بالقبر، وكاد ابن بطوطة يتحول إلى رماد بعد أن كان أشهر من نار على علم.
لكن لا ننسى أن هناك أفكار متضاربة حول مكان دفن ابن بطوطة، منهم من يقول إنه دُفن في الدار البيضاء، لأنه توفي هناك؟ يجيب أحد المؤرخين المغاربة : ” تضاربت الروايات حول مكان دفنه بين فاس ومراكش، ومنهم من يقول إنه توفي في جهة الشاوي في الدار البيضاء، لكن طنجاوة يعتبرون أن هذا هو قبره، ويجب حمايته كأحد المعالم الأساسية في المدينة”. ثم أضاف: “للأسف الشديد، لا توجد أبحاث حكومية، أو أهلية، في هذا المجال”.