المحرر وكالات
خلال الاحتجاجات الأخيرة في مدينة الحسيمة التي سببها ما يعرف بـ”طحن” بائع السمك محسن فكري، طفت على السطح من جديد سيرة المعاناة الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها أهل الريف منذ الاستقلال إلى اليوم، التي خلقت في كثير من الأحيان توتراً في العلاقة بين سكان هذه المنطقة الواقعة بشمال المغرب والسلطات والدولة عموماً.
ويرى العديد من المراقبين، أن حادثة محسن فكري ليست المحطة الأولى -منذ استقلال المغرب خصوصاً- التي برز فيها أكثر سوءُ الفهم بين الريف والدولة.
الريف وأهله.. قصة مقاومة
منذ فجر التاريخ، كانت منطقة الريف، الواقعة جغرافياً على طول الساحل المتوسطي شمال المغرب، محط اهتمام الدول من الشمال والشرق. وتكثَّف هذا الاهتمام من شبه الجزيرة الإيبيرية، خصوصاً منذ خروج المسلمين منها؛ إذ أصبح الاهتمام هاجساً للبرجوازية الأوروبية، بما فيها البرجوازية الإسبانية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
أمام هذا الأمر، خاضت قبائل الريف مقاومة شرسة ضد الأجنبي، خاصة حرب “سيدي ورياش” عام 1893 (دفاعاً عن ضريح سيدي ورياش بالقرب من مدينة مليلية المحتلة شمال شرقي المغرب)، ثم حرب مليلية ومقاومة الشريف محمد أمزيان بين 1909-1912.
وصولاً إلى ثورة الريف بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي بين 1912-1926 ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي. وقد آثر الزعيم الريفي أن يستقر في مصر، بعد منفاه في جزيرة لارينيون الفرنسية، الواقعة في المحيط الهندي، لأكثر من 20 عاماً، حيث لجأ إلى مصر خلال نقله من لارينيون إلى فرنسا، وتوفي بالقاهرة في 6 فبراير 1963 ولا يزال قبره هناك إلى يومنا هذا.
ومباشرة بعد استقلال المغرب عام 1956، عملت السلطات آنذاك على “إلحاق المنطقة الشمالية (سميت المنطقة الخليفية) التي كانت خاضعة للحماية الإسبانية بالمنطقة التي كانت خاضعة للحماية الفرنسية، وهي الأهم بطبيعة الحال اقتصادياً وبشرياً، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية بين الحمايتين والمنطقتين”، كما يعتبر مؤرخون.
مطالب “انتفاضة الريف”
في عامي 1958 و1959، كانت مطالب الريفيين اجتماعية محضة، ولكنها قوبلت بالرفض من قِبل الرجل القوي في البلاد حينها الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان ولياً للعهد، ثم انتهت بتدخل عسكري تراجيدي في حق أهل الريف، خاصة في منطقة آيت ورياغل.
بعد 1984.. درب المصالحة
أواصر عدم الثقة بين الريف والدولة في المغرب الحديث، تعززت كذلك بعد أحداث سنة 1984 والمعروفة أيضا بانتفاضة الخبز أو انتفاضة الجوع أو انتفاضة التلاميذ، إذ ساهم توالي سنوات الجفاف وتفشي البطالة والفقر، في تعميق الهوة بين مناطق الريف وباقي جهات البلاد.
في ذلك الوقت، وصف الراحل الحسن الثاني أهل المنطقة وسكّان شمال المملكة عموماً بـ”الأوباش”، وقوبلت الاحتجاجات بعنف أمني كبير واعتقالات واسعة بشكل عشوائي، إضافة إلى مقابر جماعية ما زال الحديث عنها جارياً في الريف حتى بعد عهد “المصالحة والإنصاف” في المغرب.
سنة 2004، ومع ما سمي العهد الجديد، دخلت البلاد في سياسة جبر الضرر ورد الاعتبار لضحايا “سنوات الرصاص”، بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، كجهاز ذي اختصاصات غير قضائية، في مجال تسوية ملفات ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان، بحيث تقتصر مهمتها على البحث عن الحقيقة وتقييم الضرر.
ومع المصالحة وطي صفحة الماضي، توقع المراقبون أن الريف والدولة سيدخلان عهداً جديداً من التقارب يختلف عن الماضي المتوتر، خصوصاً أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان “أرسى مجموعة من الأمور التي تؤسس للمصالحة، وقام بمجهود جبار في مجال حقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بالوساطة والحوار لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع المدني في جوانب حقوقية متعددة”.