في دول عسكرية لا مكان لتداول السلطة ولا مكان لشعب حر يختار فيه قيادته السياسية عبر صناديق الانتخاب , ولا يقرر مصيره بإرادته بعكس ما يتم توجيه الشعب بإرادة العسكر الممسكين بأوتاد الأمور بالقوة حتى لا تنفلت منهم , وهم عادة جنرالات العسكر الذين يملكون السلاح ويصبح عندهم كل شيء مباح, وبطبيعة الحال يسهل عليهم تحديد الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوبهم كما يشاءون , هذا من جهة.
أما من جهة أخرى قد يكون للحكم العسكري طريقة أخرى لعدم لفت الأنظار إلى الشعب فيفتضح أمرهم , فالحكم يصير في لباس الحكم المدني مقنعا , تمارس فيها أشكال الديمقراطية وتداول السلطة التشريعية عبر الانتخابات من داخل أيطار مقيد بمعناها الحقيقي “ديمقراطية صورية “, يسمح للجيش بالتدخل إذا وجد الديمقراطية تحاول أن تتآمر عليه , كما حدث في مصر والجزائر, وتركيا سابقا.
فالدول الغربية لم تكن راغبة بديمقراطية حقيقية في بلاد العرب على العموم على نمطها , لان حقيقة الأمر إذا ما تم اختيار الشعب لقيادته السياسية , سوف تفرز لا محالة قيادة سياسية تحاول الخروج من الهيمنة الغربية , وهذا ما أكده قائد التنمية في إفريقيا في خطابه بصريح العبارة ” المغرب ليس محمية لأحد ” ثم استرسل بتأكيده أن المغرب سيضل وفيا لالتزاماته وتعهداته الدولية, وان مستقبل المغرب رهين بشعبه وبالقارة الإفريقية أكثر من أوربا .
فالشعوب العربية في هويتها وعقيدتها شعوب لديها شعور رافض للهيمنة الغربية أيا كانت , مستخلصين العبر من تجاربهم التي خلفها الاستعمار , وليس بالأمر البعيد فلازالت بعض الأنظمة قائمة على أساس نظام عسكري في إفريقيا لأجل إبقاء الاستبداد وإعدام الديمقراطية والحفاظ على هيمنة جنرالات العسكر التابعين لهم “القوى الغربية” في البلاد لنهب خيرات الشعوب وثرواتهم , وافتعال قضايا وهمية تمس بوحدتهم وبوطنهم ومعتقداتهم لكي تشغلهم وتحجب أنظارهم عنهم .
في حين إذا ما وجدنا بلدان فيها أنظمة ديمقراطية بالمعنى الحقيقي تسعى إلى تحقيق النمو والازدهار وتحاول التخلص من بقايا الاستعمار , والارتقاء نحو تطوير اقتصادها كباقي الدول , تتم حينئذ ترتيبات انقلابية عسكرية بدعم مبارك من الغرب كما حدث في تركيا مؤخرا , ويتم الترويج لقادتها أمام الشعوب على أنهم أبطال ومقاومون معادون للامبريالية العالمية هكذا في الظاهر, وإذا ما اطلعنا من تحت الستار فسنجد أن الهيمنة الغربية تتوغل شيء فشيئا بواسطة هؤلاء القادة العسكريين الفاسدين وصولا إلى سيطرتها التامة على المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي لأنظمة حكم ذلك البلد.
فالنموذج المصري خير دليل على ذلك , فبدأ بتجربة عبد الناصر وانقلاب يوليو ومرحلة السادات والدخول طوعا في اتفاقية “كامب ديفد” حيث اصبحث اللعبة على المكشوف وأصبح الارتباط بالإدارة الأمريكية ظاهرا للعيان , ثم مرحلة مبارك وحفنته من الجنرالات الفاسدين الذين استفادوا من المعونات الغربية إلى جانب جيشهم وأصبحوا الحليف الاستراتيجي الأكبر للإدارة الأمريكية في المنطقة , وهكذا كان نظام العسكر أداة فعالة لإبقاء الهيمنة الغربية على شعبهم , لكن لن نقف على هذه النقطة فقط بل لبد أن نكمل الصورة فبعد نجاح الرئيس المنتخب ديمقراطيا من طرف إرادة الشعب السيد “محمد مرسي” قامت القيادة المصرية للجيش بانقلاب عسكري عليه , وهذا يزيد تأكيدنا على أن الحفاظ على المصالح الغربية وخصوصا الأمريكية بات واضحا في المنطقة وان هذه المؤامرة حركة مدبرة لأجل إبقاء شعب ام الذنيا ضعيف غارقا في مشاكله مع باقي دول العالم الثالث , والحفاظ على الهوية الإستراتيجية بينها وبين إسرائيل تحت قيادة زعيم الانقلاب عبد الفتاح ألسيسي “الطرطور”. الذي سخر إلى جيش مصر ,القوة الأمنية لقمع التظاهرات السلمية المدنية الذي انتخبت الرئيس الديمقراطي للبلد محمد مرسي لتحكم بذلك الأقلية الفاسدة والتي تعني بتعبير الاستاد عبد المجيد “رأسمالية اللصوص وتسلط الأقلية” ليأتي بعد ذلك تسييس الذين وتوظيفه ليستدلوا به لتبرير مواقف قد تكون كراثية للأمة .
أما النموذج الجزائري , فتلك هي الكارثة التي لم تعد تخفى على الجميع حتى الأطفال التي ما تزال في الأرحام أصبحوا على علم بذلك , فلولا إرادة الله ما أرادوا الخروج ليهانوا كباقي شعبهم , فحكام هذه البلاد عسكريين حتى النعناع وانقلابيين كالرئيس السابق الهوا ري بومدين وغيرهم من الأتباع , نظامهم نظام حكم منذ خروج الفرنسيين من الجزائر بعد ما صنفوا البلاد فرنسا الثانية , وتكون الجزائر حصلت على استقلال صوري تحت إشراف جيش التحرير , وتلهي الشعب كل سنة بأن بلادها قدمت مليون شهيد لتحرير البلاد بينما هذه الأخيرة ما زالت مستعمرة من طرف جنرالات الجزائر أحفاد فرنسا.
الشعب اكتوى بجمرتين قبل الاستقلال وبعده بنار إرهابية دولتهم المصنوع من طرف القادة الغربيين لتركعيهم , وخصوصا بعد محاولة زعزعة النظام الحاكم عبر صناديق الاقتراع سنة 1992 والذي أطلق عليها اسم “العشرية السوداء” او سنوات الجمر , حيث اشتد القتال بين النظام الجزائري العسكري والجبهة الإسلامية لانقاد المنتخب ديمقراطيا بسبب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي أفرزت عن فوز الإسلاميين , وبذلك تم توقيف المسار الديمقراطي وإعدامه من طرف أجهزة العسكر .
فتداول الحكم في الجزائر خلال فترة التسعينات ثلاث رؤساء اولهم “محمد بوضياف” حكم 6 أشهر واغتيل وفق مؤامرة حك خيوطها “علي كاف” الذي استلم بعده رئاسة الجمهورية ليعمر في الحكم سنتين , وبعدها أقيمت انتخابات وفاز بها جنرال المجازر “اليمين زروال” وعمر في الحكم من 1994 الى 1999 , ارتكب عدة مجازر اتجاه شعبه كمجزرة ” تاليت وحوش وخميسي وضاية لبقور وبني مسوس وبن طلحة …وغيرها” وكان أبشع صورة ارتكبها الجيش العسكري الإرهابي هو رمي بجثث القتلى بشواطئ البحر لمدينة وهران وقد قدر شهود عيان انه يبلغ 35 ألف قتيل , فهل سيطالب الشعب يوما بالديمقراطية ؟
لا لأنه يعرف مسبقا سوف يصلب ويقتل لان لا ديمقراطية تعلو فوق ديمقراطية العسكر الفرنسي المقنع تحت اسم الجزائر.
وفي سنة 1999 تم انتخاب رئيس جديد مهدت له الطريق المؤسسة العسكرية فكان هو “عبد العزيز بوتفليقة” الذي مازال رئيسا للشعب إلى يومنا هذا فوق كرسي متحرك , الم يكتشف الشعب الأمر؟ هذا سؤال يجب عل الشعب الجزائري الإجابة عنه , لكن لا بأس سوف نفسر. ليس لهم فقط بل لأخر أيضا , لأنهم لم ينتبهوا أن النظام العسكري يضحك عليهم ويستغلهم لأنه قائم بالقوة وليس بإرادتهم ويتآمر عليهم وينهب خيراتهم ويصرفها لأجل تقوية نقوده , بينما الشعب يشغلونه بترهات وهمية ومؤامرات مصطنعة يظنون أنها مؤامرة خارجية تحاك ببلدهم بينما المؤتمرون حكامهم , لأجل تحقيق ما يسعون إليه.
ومن أهم المؤامرات جعل من المغرب العدو أللذود الذي يهدد بلادهم , بينما التاريخ قبل “حكم العسكر” يشهد بأواصر القرابة المبنية على التعاون الاقتصادي والسياسي وغيرها من القطاعات … لكن لتشتيت أنظار الشعب الجزائري قام العسكر من تسويق هذا السيناريو واختلاق أزمة على ظهر المغرب لنهب خيرا المواطنين الجزائريين .
كما لا ننسى تأسيس كيان وهمي سنة 1973 فوق الفراش الجزائري , ودعمه بالأموال والأسلحة لدعم هذه الجماعة الإرهابية التي اطلقو عليها اسم “جبهة البوليساريو” , الذي سيجعلونها وسيلتا لتوجيهها ضد الشعب لتقتيلهم إن طالبو يوما ما بالتغيير وتحقيق نظام ديمقراطي.
هذا الكيان الذي يحتجز مواطنين صحراويين في مخيمات “تندوف” جاعلين منهم وسيلة للاسترزاق بها للحصول على المعونات التي تقدمها منظمات دولية , وللأسف هي الأخرى يتم بيعها بالملا ير من الدولارات وتحويلها إلى حساباتهم البنكية , وقد أثبتت تقارير دولية هذه الفضائح المتواصلة أمام صمت أممي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان , بينما نجده يدافع عن جيوبه .
أما بخصوص قضية الصحراء , فهي خلاص مسألة حسمت منذ سنة 1976 بعد إعلان المغرب تنظيم مسيرة سلمية تكللت بالنجاح أطلق عليها ” المسيرة الخضراء” بقيادة مبدعها الملك المرحوم الحسن الثاني لتحرير باقي الأراضي المغتصبة من الاحتلال الاسباني كما جاء في خطابه ولم يقل الاحتلال الجزائري أو الموريتاني , والشعب الصحراوي انخرط في السياسة التي نهجها المغرب لتنمية الأقاليم الجنوبية تحت القيادة المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وجعلها بوابة أفريقا في ايطار سياسة “جنوب جنوب” وانخراطهم القوي لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب.
كلا النظامين العسكريين في الجزائر ومصر هو سرطان يحاول فرض نفسه بالقوة , مستعملا في ذالك وسائله التطبيلية لكي يسوقوا لنفسهم صورة مغلوطة أمام شعوبهم , كتحكمهم في المؤسسة الإعلام والمؤسسة الدينية , وتوقيع اتفاقيات بروتوكولية مع دول أجنبية , في حين أن الدولة لا تقوم إلا بإرادة شعوبها عبر مؤسساتها التشريعية التي يختارها الشعب وتكون خاضعة لرقابته .
لكن ما تسعى إليه الدول الغربية هو جعل دائما الشعوب مصنفة تحت عنوان “دول العالم الثالث”, ومسير بأنظمة تابع له , واجحاض كل ديمقراطية ناجحة.