مصلحة “تكسير العظام” بمستشفى “الفارابي”… إلى أين؟
محمد عبد الله الموساوي
تعتبر الحوادث من بين أهم مسببات المشاكل الصحية عبر العالم حيث أوردت المنظمة العالمية للصحة في تقريرها الصادر سنة 2004 تحت عنوان “الخطوط التوجيهية للعلاجات الأساسية بمصلحة طب العظام” أنه يوميا يموت 16000 شخص على إثر حوادث مختلفة، و أنه من بين ملايين الضحايا هناك عدد لا يستهان به من حاملي العاهات المستديمة و المضاعفات الصحية الدائمة. و يضيف التقرير أن هذه الحوادث تشكل 16% من التكلفة المرضية في العالم، كما أضحت سببا رئيسيا في ارتفاع نسبة الوفيات و الإعاقة لدى الدول ذات الدخل الضعيف و المتوسط، إذ تتحمل هذه الأخيرة نسبة كبيرة من العبء الاجمالي للحوادث تصل إلى 90%.
إضافة إلى الاهتمام الخاص و المسؤول الذي يجب أن تحظى به جودة الطرق و الأمن الاجتماعي و كل ما يشكل مصدرا للحوادث بشتى أنواعها، وجب التركيز أيضا على الرفع من مستوى العلاج المقدم للضحايا على صعيد المؤسسات الاستشفائية و ذلك من خلال تطوير المؤهلات البشرية و التقنية و التنظيمية للمصالح العلاجية عامة و تلك المرتبطة بالحوادث على وجه خاص.
“مصلحة طب العظام” بالمركز الاستشفائي الجهوي “الفارابي” لمدينة وجدة لا يجب أن تشكل استثناء بالنظر إلى الخطوط التوجيهية التي أفتت بها المنظمة العالمية للصحة و عليها الانضباط و الانسياق في نفس المنهج العالمي الهادف إلى الرقي بحياة الإنسان و تمكينه من علاج كريم عادل و جيد، لكن ما يعيشه “زبائن” هذه المصلحة من ضحايا الحوادث يكاد يكون كارثة صحية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى…
من الجانب الشكلي يثير تواجد المصلحة بالطابق الثاني لمستشفى “الفارابي” أكثر من علامة استفهام الشيء الذي يجانب المعايير الدولية التي تقضي بضرورة تسهيل الولوج إلى مثل هاته المصالح و تواجدها بالطابق الأرضي القريب من مداخل المستشفى، و الأمر يزداد تعقيدا إذا علمنا أن نسبة تعطل مصاعد مستشفى “الفارابي” أكثر من نسبة عملها و أن عملية صيانتها بطيئة إلى منعدمة. أما أسِرّة و نقّالات المصلحة فتغيب عنها أبسط شروط السلامة و النظافة و الراحة…
عند ولوجك لأول وهلة إلى المصلحة سيتبادر إلى مخيلتك أنك في مقهى شعبي أو حانةٍ لتقديم “العلاجات الروحية”، ستلسعك رائحة السجائر الملفوفة و حتى المَحشُوّة الآتية من قاعة المرضى و ستلمح بعض الكؤوس الثّمِلة المُتمايلة بين أيدي بعض المرضى و مُرافقيهم، دون إغفال الروائح الكريهة و الخَراب و مجموعة القطط المُقيمَة التي تطبع هذا المرفق…ما يفسر الأمر هو حتما طبيعة “مصلحة طب العظام” التي يرِد عليها غالبا ضحايا الاعتداءات و الضرب و الجرح من ذوي السوابق العدلية و مُدمني “العلاجات الروحية”، زد على ذلك الموقع الجغرافي لمستشفى الفارابي بمحاذاة المدينة القديمة وسط مجموعة من البؤر السوداء الحضرية…و هنا نطرح السؤال ما الجدوى من تواجد حراس الأمن و كذا مختلف اللجان المكلفة بالحماية و المراقبة الصحية داخل المستشفى؟؟
أما الشق الموضوعي فيجرنا إلى الحديث عن “أرشيف” المصلحة الذي اعتبره تقرير المنظمة العالمية للصحة السالف ذكره (في صفحاته 5،6 و 87) من الدعامات الرئيسية التي يجب تقويتها و إيلاءها العناية الفائقة إلى جانب الموارد البشرية و التقنية نظرا لحساسية المصلحة و ارتباطها الوطيد بالتوثيق و الإثبات القضائي و المهني و الشخصي للمواطنين في حياتهم و تعاملاتهم اليومية. النظام الأرشيفي “لمصلحة طب العظام” لا أثر له قبل سنة 2012، و هو بعدها ضعيف و غير مُكتمل من حيث المعلومات و الملفات التي يحتويها فتارَةً يتعرض للسرقة و تارَةً للإهمال و تارَةً أخرى تلتهمه النيران و يُحرَق كما أَحرَقَ “المنصور” جميع كتب “ابن رشد” لغايةٍ في نفس “آل منصور” مستشفى الفارابي…”فتموتُ روحُ المصلحة بموتِ أرشيفها”…الأمر الذي حدث السنة الماضية حين اندلع بها حريق عارم.
نعرج على معاناة المرضى مع اللامبالاة و التماطل و الأخطاء الطبية و آخرها كلفت وزارة الصحة غرامة مالية تجاوزت الأربعين مليون سنتيم بسبب شكاية تقدمت بها سيدة ضد أحد أطباء المصلحة تتهمه فيها بارتكاب خطأ طبي و هو ما أكدته المحكمة من خلال الحكم بوجود تقصير و إهمال تبعا لقانون الالتزامات والعقود. حتى الابتزاز و تحويل قِبْلة جيوب المرضى نحو القطاع الخاص ثبتَ على نفس الطبيب فتم توقيفه مركزيا لبضعة أشهر ثم استأنف عمله بعد “استراحةِ مُحاربٍ”… المعاناة لا تتوقف هاهنا فمِنَ المرضى مَن يضل حبيسا لأحد الأسِرّة لأيام عديدة دون أن يتم الكشف على حالته الصحية أو علاج دواعي استشفائه نظرا للغيابات المبهَمة و المتكررة لبعض الأطر الصحية. حتى حرية اختيار محل المعدات الشبه الطبية الذي يشتري منه “الزبون المريض” ما وُصِف له تتم مصادرتها و ذلك بتوجيهه إلزاما صوب محل بذاته أو محلين معروفين دون غيرهما. مع أنها لوازم طبية من المفروض توفير و لو بعضها مجانا للمرضى على غرار “المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس” الذي تضمن فيه مصلحة طب العظام مجانية بعض معدات تثبيت العظام (ostéosynthèse) و لو إلى حين…
كأي وليمة معتبَرة لا بد من تجمهُر “المرايقية” و الوسطاء، كذلك هي “المصلحة المعلومة” لها سماسرتها الذين يتصيدون “الزبائن” و يبتزونهم إما لأداء مبالغ إضافية تحت الطاولة أو لتسهيل عملية تهجيرهم إلى المصحات الخاصة التي تتكاثر كالبكتيريا بالجهة الشرقية نظرا للتغييب المقصود لتفعيل الخارطة الصحية وطنيا…
الأدهى من كل ما سبق إشكالية التلاعب بالمرضى فيما بين المستشفيين الجهوي و الجامعي حيث يتم تحويل المرضى بملفات ناقصة أو بدون تشخيص أو فقط من أجل التخلص منهم و الإفلات من المسؤولية ليتم بعد ذلك تبادل الاتهامات و “التّـناطُح” بين المستشفيين على إيقاع احتضارات المرضى، و هنا يجب تسليط الضوء على سمسرة أخرى تهم سائقي سيارات الإسعاف الخاصة الذين ينشرون عيونهم بالمستشفيين من أجل الانقضاض على “الهموز”، نظرا لقلة سيارات الإسعاف التابعة للمستشفى و تهالكها و افتقارها لأدنى معايير الإسعاف و حتى لو تحرّكت فإنها تُلزم المريض المَنقول في حالة حرجة بدفع 100 درهم ثمنا للبنزين…
تِلكم كانت بعض المؤاخذات التي يبصمها كل من مر بهذه المصلحة مريضا كان أو زائرا أو إطارا صحيا، الهدف منها إثارة الانتباه إلى إشكاليات بنيوية و تنظيمية و طرح أسئلة عفوية تنتظر أجوبة شافية من طرف أولي الأمْـرْ، و تحريكا للسّواكِن من لدُن المسؤولين عن دفعِ الـضُّرْ…
و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.
…(يُتبع)