عبد الشكور ابريك
يقع قصر اسا بإحدى واحات حوض درعة جنوب شرق واد نون، إقليم اسا الزاك (جهة كلميم واد نون)، يبعد عن مدينة كلميم بــ 110 كلم، ويعتبر من اكبر القصور المعمارية المغربية حيث عرف استقرارا بشريا قديما وتواجدا مكثفا لعناصر وثنية ومسيحية ارتبط اختفاؤها بمجيء الإسلام وتأسيس زاوية اسا، وتميز عبر التاريخ بغنى وتنوع العادات والتقاليد والمعارف الشعبية والصناعة اليدوية والأدب الشعبي فضلا عن التراث المكتوب من مخطوطات ونصوص تاريخية.
فإذا تنوعت عبارات العلماء عند حديثهم عن طرق إثبات النسب، أو كما يذهب أهل الاختصاص في التسمية بالأدلة العامة والخاصة لتبوث النسب، فإن كل المعايير والأدلة والحجج والبراهين التي لا يتسع المجال لاستحضارها تثبت شرعية هذه المعلمة الضاربة في عمق التاريخ وأحقيتها في الدخول إلى سجل جرد التراث الوطني من بابه الواسع.
وعلى الرغم من استيفاء المعلمة التاريخية “قصر اسا” لكل خصائص التميز تاريخا وتراثا كباقي القصور والقصبات على امتداد التراب الوطني بالنظر إلى ما يختزله من تمظهرات تراثية حية ظلت صامدة في وجه معاول البشر وعوامل الزمن، إلا أن الاعتراف به ابنا شرعيا ضمن أسرة التراث الوطني لا زالت الأبحاث الطبية والفقهية وحتى القانونية للقطاع الوصي لم تقتنع بعد بأنه آن الأوان قبل فوات الأوان للاعتراف به وتصنيفه ضمن التراث الوطني.
وإذا كان المغرب قد تمكن من احتلال المراتب الأولى ضمن لائحة الدول الأفريقية التي تتوفر على مواقع أثرية تدخل ضمن تصنيف التراث الإنساني، متفوقا على مجموعة من دول القارة السمراء، فإن هذا المعطى لا يمكنه إلا أن يشكل دافعا قويا للمزيد من النبش عن مكنوزات التراث الوطني التي لا زالت تعاني في صمت وتواطؤ ولامبالاة، مما يطرح مصير الإرث الوطني التراثي بشقيه المادي واللامادي على محك العناية والصيانة.
لم يعد الجدل اليوم قائما حول أهمية الموروث المادي واللامادي بقصر اسا ، ودوره الأساس في تقوية الإحساس بالانتماء والتشبث بالهوية الوطنية المغربية، وضرورة العمل على استثماره وإعطائه الإشعاع اللازم واعتماده عنصرا تنمويا ينبغي توظيفه في الحركية التنموية السياحية الثقافية، خصوصا إذا اخذ بعين الاعتبار موقعه الاستراتيجي بالقرب من واحة النخيل الفيحاء من جهة ومن جهة ثانية زاوية اسا بحمولتها التاريخية، الروحية و الدينية وموسمها التجاري الثقافي، ذي الصيت الكبير الذي تجاوز مناطق شمال إفريقيا إلى باقي دول العالم.
فمتى سيتحقق المنشود منطلقا، ومتى ستعمل وزارة الثقافة على تبني مقاربة شمولية تشاركية مع مختلف الشركاء يتحمل فيها كل طرف مسؤولياته كل من موقعه من اجل الاعتراف بقصر اسا والحفاظ عليه وتطويره والعمل على تصنيفه ضمن التراث الوطني الغني بروافده الإفريقية، الامازيغية، الصحراوية، الحسانية، العربية والأندلسية، في أفق أن تتجدد الدماء في شرايينه وينعم بالحياة من جديد ويصنف وكما تقتضي المواثيق والأعراف تراثا كونيا إنسانيا عالميا.