عادل قرموطي
انتقلت مي فتيحة الى جوار ربها، تاركة وراءها هموم فئة عريضة من هذا المجتمع العريق، لاتزال تعيش على وقع لعبة القط و الفأر مع رجال السلطة المدججين بعناصر الحرس الترابي، و في وقت لا تزال الدولة فيه عاجزة عن احداث فضاءات للباعة المتجولين عبر مختلف ربوع المملكة، يستمر شد الحبل بين هؤلاء و رجال السلطة، في وقت ينص فيه دستور المملكة على أنه لكل مواطن الحق في الشغل و العيش الكريم.
الدولة المغربية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، التركيز على فئة الباعة المتجولين، من خلال احداث فضاءات منظمة، تسهر عليها الهيئات المنتخبة، التي تستخلص مبالغ رمزية كمساهمة من هؤلاء في تنظيف الأماكن التي يتواجدون فيها، في احترام صارم للتوقيت و لجدران الاسواق النموذجية التي ستحتصنهم، وذلك بهدف تفادي أي اصطدام بين البائع و المقدم، و الذي قد يتطور الى ما وقع لمي فتيحة.
و لعل ما يجب على السلطة أن تتفهمه، هو أن قضية مي فتيحة، كانت ستتحول الى مشكلة كبيرة سيصعب فكها، لو أن المرحومة باذن الله أحرقت نفسها في الوقت و المكان المناسب، و لعل أهم عامل ساهم في عدم تأجيج الأوضاع، هو عدم تواجد عدد كبير من المواطنين أثناء اقدام مي فتيحة على اضرام النار في جسدها، ما حال دون التأثير بشكل مباشر على مشاعر المواطنين الذين تلقوا الخبر فيما بعد.
من جهة أخرى، فان ما أقدمت عليه مي فتيحة، يعتبر درسا قد تستفيد منه الجهات المعنية، اذا ما تأكدت من أن البائع المتجول، لم يعرض سلعه في الشارع الا بعدما أغلقت في وجهه جميع الأبواب، و أن عددا كبيرا من هؤلاء قد اقترضوا سلعهم و ينتظرهم أصحابها بعد سقوط الظلام كي يرجعوا ما بذمتهم، ما يجعل ذلك البائع الفقير، قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أي شخص يحاول أن يمنع عليه رزقا لا يتجاوز 100 درهم في اليوم.
المغرب اليوم، و بفضل عدة عوامل، أصبح يصطف بين الدول النامية التي تشكل وجهة للمستثمرين و رؤوس الأموال، و من العيب أن يحرق مواطنا نفسه لأنه لم يجد مكانا يبيع فيه سلعة لا تتجاوز قيمتها 500 درهم، علما أن هؤلاء الباعة قد يساهمون في الاقتصاد المحلي بشكل جد ايجابي اذا ما تدخلت الدولة من أجل تنظيمهم و دعمهم بطرقها الخاصة، حتى يحققوا دخلا يعيلون به عائلاتهم، و يدفعون منه ضرائب رمزية قد تساهم في تنمية مدنهم.
فخدو العبرة من قضية مي فتيحة.