لماذا رفضت فرنسا منح زوجة ماكرون لقب “السيدة الأولى”؟

المحرر ـ متابعة

ما زال منصب السيدة الأولى في فرنسا يثير موجة من الجدل، بعد القرارات التي اتخذتها الحكومة قبل يومين لتحرم زوجة الرئيس ماكرون من هذا المنصب المهم، والذي كان سيطوي عدة أعوام من تهميش لدور زوجة الرئيس.

وفي مقال بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، قالت الصحفية الفرنسية من أصل عربي نبيلة رمضاني: “عندما تلقي نظرة فاحصة على حياة سيدات فرنسا الأوليات في أثناء فترة أزواجهن الرئاسية، تفهم تماماً لِمَ لا يمكن لامرأة عندها احترام للذات أن ترغب في الاقتراب -ولو قيد أنملة- من هذا المنصب؛ ذلك أن (دعاسة أقدام على الباب تصرف عليها الدولة) أقرب إلى الصواب في وصف هذا المنصب، فحدِّث ولا حرج عن المذلات المتعددة التي يحملها المنصب لصاحبته، بدءاً من الخيانات الزوجية المنتظمة والمتكررة، وانتهاء بمنع السيدات الأوليات من حق التكلم والتعبير عن أنفسهن بتاتاً”.

وأضافت رمضاني: “لكن إيمانويل ماكرون، الرئيس المصلح ذو الوجه المشرق، العازم على إعلام وإفهام الكل أنه بحقٍ، رئيس فرنسي مختلف كلياً وجذرياً- يريد تغيير كل ذلك، فزوجته ترفض لعب دور الأنثى في مسلسل العذاب المهين إياه، فهي تتمتع على الأرجح بصوت قوي وازن، ولهذا يفضل ماكرون إضفاء الصفة الرسمية على منصبها؛ لتغدو بذلك سيدة فرنسا الأولى”.

يبدو أن نزعات نصرة المرأة والحركة النسائية قوية لدى ماكرون؛ فهو الذي حرص على التوازن عند اختيار أعضاء حكومته لتكون هناك مناصفة تامة بين أعداد الرجال والنساء فيها.

ويعي ماكرون مثلما يعي الكل، أنه لم يسبق قط في تاريخ فرنسا أن رافق الرئيس/ة زوج ذكر، ولهذا يرى ماكرون من الضرورة ترفيع المنصب من مجرد “شريك للرئيس” إلى شيء يمت بصلة أكبر إلى مجتمع يؤمن بالمساواة، بحسب الكاتبة الفرنسية.

ضغينة وحقد

وتضيف رمضاني: “على الطرف الآخر، هناك خصوم أقل مثالية، فقد أبدوا ضغينة كانت متوقعة منهم، وفاحت منهم كمية هائلة من الحقد على النساء، وأخذ كثير منهم يجادل بأن على السيدات الأُوليات أن يعرفن حجمهن. وقد نظم هؤلاء عريضة إلكترونية -وقَّعها هذا الأسبوع نحو 250 ألف شخص- اعتراضاً على استحداث المنصب الجديد، والآن صدر عن الحكومة الفرنسية ردٌّ وتصريحٌ بأنها لن تمنح لا لقب السيدة الأولى رسمياً ولا ميزانية خاصة لها، في الوقت الراهن على الأقل”.

الواضح هو أن آراء مجموعات الضغط تتمحور في أغلبها حول دلالة المنصب؛ فالسيدات الأُوليات في زمننا المعاصر لديهن عدد يصل إلى 5 مساعدين شخصيين، وفريق حراس أمنيين، والعديد من المزايا، بدءاً باستخدام الطائرات النفاثة التي تملكها الدولة، وانتهاء بحضور مصففي الشعر ومنسقي الزهور إليهن بمجرد رفع السماعة. إن تكلفة كل هذا تتجاوز ميزانية قدرها مليون يورو بكل تأكيد.

وتعتبر رمضاني أن “تحويل اللقب من (سيدة أولى) إلى (السيدة الأولى) لن يزيد كثيراً تكلفة الفاتورة الكلية، وقطعاً لن يترتب عليه جهد تشريعي كبير كذلك، فالمنصب الجديد لن يتقاضى مرتباً، كما لن يتطلب أي تغيير دستوري؛ بل مجرد وضع (ميثاق شفافية)، حسب مساعدي ماكرون الذين يقولون إن الدور سيكون (عاماً) لا (سياسياً)”.

وأشارت الكاتبة الفرنسية إلى أن بريجيت ماكرون، التي كنت أجريت معها مقابلة تلفزيونية في أثناء حملة زوجها الانتخابية، لم يكن همها كسب المال ولا إحاطة نفسها بهالة وجيش من الحرس. لم تكن قط كثيرة الطلبات ولا عالية المطامح؛ بل على العكس، لقد كان كل ما تريده هذه المدرسة المتقاعدة أن تؤخذ على محمل الجد؛ لكونها موظفة حكومية عالية التعليم غزيرة الخبرة.

ونوهت إلى أن مناوئي بريجيت ماكرون يركزون، لا على شخصيتها أو ذكائها وفطنتها؛ بل على مظهرها، فهم لا يفتأون يشيرون إلى أن هندامها أصغر وأكثر شباباً من امرأة في الـ64. إنهم يسخرون من الفارق العمري بينها وبين زوجها الرئيس ذي الـ39 عاماً، ويضحكون عليها؛ لأنها تجرأت ورتبت لقاءات عابرة مع نجمي البوب بونو وريهانا في باريس. بالمختصر، هم يريدون اختزالها وتصغير شأنها في صورة امرأة أخرى محدثة النعمة، ينبغي حبسها بعيداً في صالون هادئ، فيما زوجها يحل مسائل البلد المحلية وقضايا العالم.

وبحسب رمضاني، لا يكترث أغلب الناس في فرنسا لهذه المسألة أو يلقون لها بالاً، ولكن ذلك بالضبط ما حدث للمرأتين اللتين سبقتا بريجيت ماكرون وكادتا تحصلان على لقب “السيدة الأولى”، فلقد عانت فاليري تريرفيلر، بصمت، قبل أن تُطرد من قصر الإليزيه عندما افتُضح الرئيس فرنسوا هولاند وهو يخونها مع ممثلة، ولم تبح تريرفيلر بالتفاصيل المخزية والمخجلة لمعاناتها إلا بعد مرور وقت طويل، في كتاب فاضح جداً حقق أعلى المبيعات، هتكت فيه كل المستور. أما جولي غاييه، الممثلة التي هجر هولاند زوجته ليرتمي في أحضانها، فما زالت تتكتم وتمارس الصمت، على غرار بينيلوبي، فيما يخص تجاربها الخفية التي خاضتها في الإليزيه وغيره من القصور والبيوت الرسمية.

هكذا يتخلص المنصب من صفة التخفي

وأكدت الكاتبة الفرنسية أن حوادث مثل هذه تعري المهزلة الحقيقية التي ينطوي عليها منصب السيدة الأولى. فلو غدا المنصب رسمياً، لتخلص المنصب، على الأقل، من صفة التخفي المثير للشفقة ومن صفة الخنوع اللتين باتتا تجسدان ماهيته.

إن منصب السيدة الأميركية الأولى لم يقدم أو يؤخر في مجال عمل ميشيل أوباما بالمحاماة، حتى إنها كثيراً ما بدت خرقاء عندما كانت تضطلع بأدوار تمثيلية سخيفة متلفزة، فالمنصب في أميركا ما زال لا يعدو كونه رمزياً، فكل المطلوب هو إبداء المشاعر والعواطف الجياشة، كالشفقة والرحمة، في مناسبات جمع التبرعات الخيرية. ورغم أن المنصب في أميركا لا ينظمه قانون ولا يحكمه شيء ألبتة، فإن ميشيل أوباما حملت لقب السيدة الأميركية الأولى بجدارة ونالت الاحترام على ذلك.

وختمت مقالها قائلة: “لا مجال لنيل قدر مماثل من الاحترام في فرنسا إلا عن طريق استحداث منصب رسمي للسيدة الفرنسية الأولى وتعريف دورها بشكل واضح، ثم محاولة إصلاح الوضع الراهن لهذه الوظيفة الكريهة حالياً. لو أن التغيير بحاجة إلى مرشحة مثالية ليتم على يديها، فلا خير ولا أفضل من بريجيت ماكرون لهذه المهمة. على فرنسا إعادة النظر”.

عن ساسة بوست

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد