المحرر الرباط
تعالت بعض الاصوات التي تمثل “النشاز” على العالم الافتراضي منذ العمل الارهابي الذي ضرب اسبانيا، و خاضت حربا بالوكالة على المغرب، تحاول من خلالها توهيم الراي العام بأن الارهاب الذي يضرب الغرب، ظل منذ وقت طويل مرتبطا بالمغاربة، و في تدليس واضح للحقائق، تطرقت بعض الكائنات الافتراضية الى هذا الموضوع، متعمدة ربط الارهابيين بالمملكة المغربية، و اتهام دولتنا بتصدير هذه الافة الى اروبا، بعدما أخفت الجوانب المهمة في هذا الموضوع، حتى يكون تحريضها متكامل الاطراف، في جريمة لا تقل قبحا عن مختلف الجرائم التي يحيكها الخصوم ضد بلادنا.
تحريض للاروبيين على المصالح المغربية بالخارج، و تجييشهم ضد مغاربة المهجر، خطة جديدة أعطى الخصوم انطلاقتها منذ حادث الدهس الذي شهدته مؤخرا احدى المدن الاسبانية، و هو ما تجسد على أرض الواقع، بعدما قام مجهولون بانتهاك حرمة المؤسسات الديبلوماسية باسبانيا، و الاعتداء على مغاربة لفظيا، دون اجراء بحث حول طبيعة منفذي هذه الهجمات، و شخصياتهم التي لا تربطها اية علاقة بالمملكة المغربية، حيث يتعايش المغربي و الاسباني و الافريقي في سلام، و حيث لكل فرد حرية الانتماء الديني و السياسي.
ان ما تحاول الجهات التي تشن حملة على المغرب اخفاءه على الاجانب، هو طبيعة الارهابيين ذوي الاصول المغاربة الذين نفذوا هجمات في اوروبا، و كيف أن هؤلاء لا تربطهم بهذا البلد الامن، سوى الجنسية و في بعض الحالات، أصل الوالدين أو احدهما، بينما تبقى النشأة و التربية و التكوين، مسؤولية البلد الذي شب و ترعرع فيه هؤلاء المجرمون، و من هذا المنطلق كيف يمكننا أن نتقبل فكرة تحميل مسؤولية ما يقع بخصوص ما سبق ذكره لبلد، لا علاقة تربطه بالجناة، بل و أن معظمهم لم يسبق لهم زيارة المغرب الا مرات قليلة، و قبل استدراجهم الى طريق جهنم.
هل يعقل أن يتبنى الغرب كل مغربي تألق في مجال اختصاصه و ابدع فيه، بينما يحمل مسؤولية الخارجين عن القانون للمملكة؟ سؤال نطرحه على من يحاول ربط ارهابيي المهجر بالمغرب، كلما سطع اسم من أسماء بني جلدتنا فوق سماء اوروبا، و كلما سمعنا بأن مواطنا مغربيا مقيما بهذه القارة قد حقق انجازا علميا أو فكريا جعله تحت مجهر السلطة الرابعة هناك، و هو ما يؤكد بأن القارة العجوز هي من تتحمل مسؤولية تصرفات هذه الفئة من ساكنتها، سواء تألقت او اجرمت في حق المجتمع، لأن انقطاعها عن المغرب خلق هوة كبيرة بينها و بين حضارة يشهد لها العالم بأسره بالتعايش و الانفتاح.
و من خلال تسليط الضوء على السيرة الذاتية لمنفذي العمليات الارهابية من ذوي الاصول المغربية بدول اروبا، يتضح أن هؤلاء الاشخاص لا تربطهم أية صلة ببلادنا، و أن ثقافتهم اروبية مائة بالمائة، بل أن معظمهم من المنحرفين و المدمنين على المخدرات، ساهمت النظرة الدونية لدول اقاماتهم في مواصلتهم للانحراف، ما جعلهم لقمة سهلة للمتطرفين، الذين استغلوا غياب القيم لديهم، و عقيدتهم المتزعزة من اجل اعادة بلورة دين جديد في انفسهم، و شحنهم ضد مجتمع أهملهم منذ أن كانوا صغارا.
و اذا كان المغرب مصدرا للارهاب كما يزعم البعض، نتساءل عن الاسباب التي تحول دون أن يمسه هذا الوباء، و نحن جميعا نعلم بأن طباخ السم لابد أن يتجرعه في يوم من الايام، و كيف لالاف الاوروبيين ان لم نقل عشرات الالاف، أن يعيشوا في امن و سلام بين ظهران المغاربة، دون ان يمسهم سوء، بل أن المغرب يعتبر الوجهة المفضلة لدى المتقاعدين الفرنسسين، الباحثين عن الاستقرار بعيدا عن الضوضاء و الثلوث، هذا دون التطرق الى مجهودات بلادنا في مجال محاربة الارهاب و مساهمتها في امن العديد من الدول عبر مختلف أرجاء العالم.
ان ما تحتاجه الدول الغربية اليوم، في محاربتها للارهاب، هو اعطاء أهمية أكبر للمهاجرين المنحدرين من دول المغرب العربي، عبر مواكبة الاجيال الناشئة، و وضع استراتيجية وقائية تقطع الطريق على المتربصين بهم، و تجعلهم على دراية كافية بقيم الدين الاسلامي، تماما كما حدث بالنسبة للمغرب، عندما وضع استراتيجية مركز لتكوين الائمة، و تأهليهم لاقناع المصلين بأن الاسلام دين تعايش و تسامح، و لا يتبنى الدم و القتل كما تروج لذلك عدد من جماعات الفتنة و التطرف.
الهوية و الثقافة المغربية، يعلم الجميع أنها أساس للتعايش، و للكرم و حسن الضيافة، و على عكس ما تحاول بعض الجهات الترويج له، فان مرتكبي المجازر في اروبا، لا يحملون من تلك المبادئ شيئا، طالما أن تربيتهم و نشاتهم امتزجت بين ما تعلموه في الشارع الاروبي و دروس المؤسسات التعليمية هناك، كما أن غياب خطة استباقية لرصد مثل تلك الجرائم لدى السلطات في هذه البلدان، منحت الفرصة لأصحاب الدعوة بالتغلغل في المجتمع، و وفرت لهم الميدان لممارسة استقطاب الاشخاص لساحات القتال، و تجنيدهم ضد الابرياء.
من جهة اخرى، يعتبر التناقض في المنهجية الامنية لدى عدد من الدول التي يستهدفها الارهاب، سببا رئيسيا في تكاثر الارهابيين و تناسلهم في كنف الخلايا النائمة، كيف لا و عدد من تلك الدول لاتزال تحتفظ بالمتطرفين و المتشددين تحت يافطة حقوق الانسان، بينما تتمسك دول اخرى ببعضهم طمعا في رؤوس الاموال، رغم انها على يقين من انهم مصدر لتمويل الارهاب و المتجرة في الاسلحة، و هو الشيء الذي سبق للعديد من التحقيقات الصحفية ان تطرقت اليه.