مرّت 45 سنةً، على أخطر وأبشع انقلاب عسكري عرفه المغرب بعد الاستقلال، بقيادة الكولونيل امحمد اعبابو، الذي كان مُديراً لمدرسة اهرمومو العسكرية قرب مدينة صفرو.
في 10 يوليوز سنة 1971، اقتحمت شاحنات عسكرية القصر الملكي بالصخيرات، دون أن تواجَه بأي مقاومة من طرف الحرس الملكي، حيث كان يتواجد الراحل الحسن الثاني رفقة العائلة الملكية وعدد من الشخصيات الوطنية منهم الزعيم علال الفاسي، و سفراء بعض الدول منهم السفير البلجيكي الذي لقي حتفه رمياً بالرصاص.
في دقائق معدودة، تحول القصر الملكي، إلى حمام دم، في مجزرة قُتل فيها 99 شخصاً، منهم جنرالات وشخصيات سياسية رفيعة وسفراء دول، وأصيب الأمير مولاي عبد الله، شقيق الحسن الثاني، وكاد أن يقتل الملك الحالي محمد السادس، وكان عمره آنذاك 8سنوات رفقة شقيقه الأمير رشيد وكان عمره عامٌ واحد، لولا أن سيدتين أجنبيتين دافعتا عنهما بكل قوة، أدهشت الانقلابيين.
يروي محمد الرايس، وهو ضابط سامي، كان مشاركاً في المجزرة وأحد المقربين من زعيم الانقلاب الكولونيل اعبابو، في كتابه “من الصخيرات إلى تازمامارت..تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم” أن اعبابو أمر جنوده بوضع الرهائن في صف وسط ساحة القصر، في انتظار أن يتخذ في حقهم قراره النهائي.
يقول الرايس، الذي حكم عليه بالإعدام قبل أن يتحول الحكم إلى السجن المؤبد: “حول الباب الكبير للقصر كان الرهائن ممددين أرضا، بعضهم بلباس عادي و آخرون بلباس الاستحمام وكانت من بينهم امرأتان شجاعتان وفي كامل وعيهما وقفتا وقفة الند للند في وجه الجنود الذين كانوا يدفعونهما دفعا حتى تدخلان الصف، وكانتا مثل دجاجتين تحضنان صغيريهما وتدافعان عنهما بمنقارهما بكل مافيهما من قوة حتى لا يمسهما الخطر المحدق، لقد بذلتا كل ما في وسعهما حتى لا يمس صغيريهما”.
ويضيف في الصفحة 34 من الكتاب “كنت متأكدا أن هاتين السيدتين لن تتخليا عن مافي حضنيهما حتى ولو دفعتا الثمن من حياتهما ، لقد صارعتا و أرغتا و أزبدتا ورفضتا رفضا بتاتا التخلي عن الصغيرين اللذين كانا في حضنيهما، ومن حسن الحظ أن أحد الملازمين تدخل ووضع حدا لهذه الواقعة ومنع سوء معاملة السيدتين الفاضلتين، بعد أن أعاد الهدوء شرح أحد الخدم للمتمردين بأن السيدتين الأوربيتين هما مربيتا ولي العهد الأمير سيدي محمد(ثمان سنوات) و الأمير مولاي رشيد (سنة واحدة)”.
يسترسل محمد الرايس يروي كيف نجا الأميرين الصغيرين من الموت “ولما سمعوا ذلك (يقصد الجنود الانقلابيين) خجلوا من فعلتهم و طأطأوا رؤوسهم علامة على الندم ! واعتذر الملازم للمربيتين الشجاعتين ثم أمر اثنين من تلامذتنا بمرافقة المربيتين و الأميرين إلى مكان ظليل بعيد عن الخطر”.
أما عن مصير الضابط الذي تدخل لإنقاذ الأميرين، فقد كتب الرايس في مذكراته يقول إن “هذا الضابط حكم عليه في ما بعد ب خمس سنوات سجنا نافذا وعانى هو أيضا من محنة تازمامارت، و يعيش اليوم عيشة مدنية ، وعاطل عن العمل”.