المحرر
تسود حالة من الغموض حول مستقبل الجزائر بعدما أوشكت مرحلة حكم بوتفليقة على الانتهاء، دون تحديد اسم مرشح النظام الذي طالما كان يُعرف قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بمدة زمنية معينة.
صحة بوتفليقة
وقليلًا ما يغادر الرئيس الجزائري مقر إقامته في زرالدة بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية الذي يستقبل به ضيوفه الأجانب.
واحتفل بوتفليقة، الخميس 2 مارس من الشهر الجاري، بعيد ميلاده الثمانين، وسط عودة التساؤلات حول صحته وقدرته على إدارة دفة البلاد، بعد أشهر من عدم الظهور، حيث يعاني منذ 10 سنوات من نكسات صحية متتالية اضطرته للمكوث فترات طويلة في المستشفى أجرى عملية جراحية في 2005 بسبب “نزيف في المعدة” في مستشفى فال دوغراس العسكري بباريس.
وأعاد إلغاء زيارة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في فبراير الماضي، الجدل حول صحة الرئيس الجزائري، على بساط البحث، حيث أنه بعد فوزه بالانتخابات، لم يتمكن من قراءة خطاب القسم الرئاسي كاملا، واكتفى ببعض فقراته.
ومنذ ذلك الحين، ولا يظهر إلا نادرا، في المناسبات الوطنية أو عند استقبال مسؤولين أجانب، وإن كان التلفزيون الحكومي يذكره يوميا في نشراته الرئيسية، من خلال الرسائل التي يتلقاها والكلمات المنسوبة إليه، والتي يتلوها مستشاره محمد علي بوغازي.
ثم تردد مرارا على مستشفيات فرنسية وسويسرية، وكان يتم الإعلان عن بعض هذه الزيارات القصيرة، فيما يتكتم عن بعضها الآخر.
وفي أبريل عام 2013، أصيب بجلطة دماغية أبعدته عن الجزائر 88 يوما، عاد بعدها إلى بلاده على كرسي متحرك غير قادر على المشي ويجد صعوبة في الكلام، ما دفع المعارضة إلى الدعوة إلى إعلان “شغور منصب الرئيس” والمطالبة بانتخابات مسبقة.
لكن الانتخابات جرت في موعدها في أبريل عام 2014.
التشكيك في إدارته للبلاد
وجاء الرد على التشكيك بصحة الرئيس بقرارات حاسمة شملت تغييرات عديدة في قيادة الجيش والاستخبارات، ومن بينها إقالة الجنرال حسان، واسمه الحقيقي عبد القادر آيت وإعرابي، المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب، وسجنه.
أما القرار الأبرز فكان في سبتمبر عام 2015، بإحالة مدير الاستخبارات الفريق محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق، إلى التقاعد بعد 25 سنة أمضاها في منصبه، وإلحاق جهاز الاستخبارات برئاسة الجمهورية بدل وزارة الدفاع.
وشككت المعارضة السياسية في أن يكون الرئيس هو الذي اتخذ هذه القرارات، لكن رئيس الوزراء عبد المالك سلال أكد في حينه أن “الحكومة تعمل تحت المراقبة المباشرة واليومية للرئيس”.
بوتفليقة الصغير
وتزداد الهوة اتساعا كل يوم بين العصب التي يتشكل منها النظام السياسي، غذّاها بروز طموحات في خلافة الرئيس، ومن هذه العصب محيط بوتفليقة ومن ورائه قوى مالية تشكلت خلال فترة حكمه، ترغب في قطع الطريق أمام أي شخصية سياسية أو عسكرية قد تهدم ما بناه خلال 17 سنة قضاها في الحكم.
وطرحت خلال الأيام الماضية؛ عدد من الأسماء كان أبرزهم شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يدعى “السعيد بوتفليقة”.
والسعيد بوتفليقة هو الشقيق الأصغر للرئيس بوتفليقة، ويشغل منصب مستشار. ويقول سياسيون وصحفيون إنه المتحكم في دواليب السلطة منذ سنوات.
وتروّج المعارضة أن بوتفليقة الصغير يطمح لخلافة أخيه على سدة الحكم. ونفى حزبا السلطة التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر ذلك.
ورغم توالي اتهامات الصحف إليه، لم يسبق للسعيد بوتفليقة أن ظهر في الإعلام العمومي أو الخاص، إلا من خلال لقطات بثها التلفزيون الرسمي بجنب أخيه الرئيس أثناء استقباله لوفود قبل إصابته بجلطة دماغية عام 2013.
انتخابات مسبقة
ويأتي ذلك في الوقت الذي ترى فيه المعارضة أن هناك شعورا في السلطة يستدعي تنظيم انتخابات مسبقة تحت إشراف لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، تطالب أحزاب الموالاة أصحاب هذا الطرح الانتظار إلى غاية نهاية العهدة الرئاسية في 2019.
وذكرت صحيفة “لوسوار دالجيري” الجزائرية أن بوتفليقة التقى رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس في أبريل 2016 “رغم أنه كان متعبًا جدًا” وظهر ذلك في الصورة التي نشرها المسؤول الفرنسي على حسابه في تويتر.
وتساءلت الصحيفة الناطقة بالفرنسية إن كان ذلك هو السبب “الذي دفع محيط الرئيس إلى عدم ارتكاب نفس الخطأ وتقديم الرئيس في صورة الرجل المريض”.
ومنذ الجلطة التي أصابته في 2013 لا يتوانى معارضو بوتفليقة عن الحديث عن “شغور منصب الرئيس” ويطالبون بتطبيق الدستور لإعلان انتخابات رئاسية مسبقة.
مستقبل غامض
ومن جانبه، يرى فاروق تيفور قيادي في حركة مجتمع السلم في اتصال مع CNN بالعربية أن الجزائر ما بعد بوتفليقة يمكن تلخصيها في فرضيتين، أولاها أن “يَرشد هذا الحكم ويُوفر فرص سياسية أكثر ملائمة لانجاز قفزة ووثبة توافقية مشتركة بين مختلف الأطياف السياسية من اجل الحفاظ على استقرار البلد وحمايته من كل المخاطر الداخلية والخارجية”، وهذا ما تطرحه المعارضة من خلال أرضية الانتقال الديمقراطي، وحسب المتحدث فإن هذا النهج سيحمي البلد ويجنبها كل التهديدات والمخاطر.
وفيما يخص الفرضية الثانية وفق اعتقاد فاروق تيفور هي أن “تبقى هذه السلطة متعنتة ولا تستمتع لأحد وتستمر في سياستها التي ستكون وبالًا على مستقبل الجزائر في عهد بوتفليقة وما بعده”، وعلى هذا الأساس يرى القيادي في حماس (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) أنه يتوجب على السلطة فتح حوار سياسي بين مختلف الفعاليات، لافتًا الانتباه إلى أن الفرصة مواتية خلال المحطة الانتخابية القادمة في تشريعيات 2017، بتوفير الأجواء المناسبة لهذا الاستحقاق القادم.
تحصين الحكم
رئيس التحرير بقناة الشروق نيوز رضا شنوف، اعتبر أن الجزائر تعرف حاليا مخاضا، سيحدد وجه الحكم لما بعد بوتفليقة، معتبرا مطالب المعارضة حول شغور منصب الرئيس وتفعيل أحكام المادة 88، يبقى، في نظره، مطلب بعيد المنال، على المدى المنظور وفي الظروف والمعطيات القائمة حاليا.
ويحاول الفريق الحاكم وفقا لشنوف، تحصين الحكم وامتلاك الأوراق الحاسمة لترتيب بيت الرئاسة والحكم بعد 2019، مستشهدا بالتغييرات التي شهدها جهاز المخابرات، والتي يعتبرها محدثنا أحد ملامح هذه الترتيبات، مشيرًا إلى أن فريق بوتفليقة لن يكون بنفس القوة بعد 2019.
وعلى اختلاف التوقعات والتكهنات لما سيكون عليه الوضع مستقبلا، يتفق جميع المتابعين للشأن السياسي في الجزائر على أن عملية اختيار الرئيس الذي سيخلف عبد العزيز بوتفليقة، ستخضع لمؤثرات وفواعل جديدة، على خلاف التجارب السابقة، حيث سيكون لرجال الأعمال كلمتهم في رسم معالم المرحلة المقبلة، وكذا وسائل الإعلام التي يجري صراع طاحن لإعادة رسمها وفق ما يوافق توجهات النخبة الحاكمة اليوم.
عن موقع ساسة بوست