المحرر ـ الرباط
بلا مبالغة ولا مواربة، يمكن إعتبار الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة عشر لعيد العرش المجيد، بأنه خطاب غير مسبوق بامتياز، بالنظر الى ما تضمنه من رسائل مباشرة وصريحة وغير مسبوقة في تاريخ الخطابات الملكية.
لقد كان الخطاب الملكي بمثابة تشخيص واقعي وسليم للواقع السياسي والاقتصادي الذي يعيشه المغرب، وكشف عن عدد من الإختلالات والأزمات التي تشكل عائقا أمام أي تقدم أو تنمية منشودة، وكان صريحا في تناوله لكل الملفات والقضايا، التي تؤرق الوطن والمواطنين، ووضع الأصبع على مكامن الخلل فيها، ولعل أبرزها تلك المتعلقة بأداء الإدارة المغربية، الغارقة في الترهل والبطء ، الشيء الذي جعلها قاصرة عن لعب دورها الأكمل في خدمة المواطنين، وهي رسالة واضحة، من دون تشفير الى الفاعلين والمشرفين على القطاعات الحكومية، بضرورة التسريع في خلق و ابداع إجراءات عملية لإخراج الإدارة المغربية من هذا الوضع الغير مطمئن.
وبلغة مباشرة ، أماط الخطاب الملكي اللثام عن أداء مجموعة من الفاعلين السياسيين، الذين لا هم لهم سوى المنصب والنفوذ، والاستفادة من الريع السياسي، الشيء الذي صارت معه الاحزاب السياسية مجرد دكاكيين سياسية، تنشط في الحملات الانتخابية، و تتنافس على أكبر قدر من المكاسب والمناصب، الشيء الذي جعل اهتماماتهم في واد وانتظارات الشعب المغربي في واد آخر.
لقد أشار الخطاب الملكي صراحة الى أن الأحزاب السياسية، تخلت عن وظائفها،ولم تعد تلعب الدور المنوط بها، و صار حضورها رهين فترات الإنتخابات، وهذا ما ساهم في عدم ثقة المواطن في العملية السياسية، ويعزف بالتالي عن المشاركة فيها، من هذا المنطلق انتقد الملك بشكل لاذع واقع هذه الاحزاب، ودعاها إلى ممارسة السياسة بمعناها النبيل ، و استحضار مصالح الوطن والمواطنين، وتخكيم الضمير في المقام الأول، والتنافس على خدمة المواطن وقضاء مصالحه، او الإبتعاد والانسحاب.
إن أي مغربي مغربي ، لن يجد أدنى صعوبة في إستيعاب ما جاء في الخطاب الملكي السامي بهذا الخصوص، لأنه يعاين ذلك على أرض الواقع، في ظل تدني خطابات النخب السياسية المغربية، وتواضع إنجازاتها، ويمكن قراءة نتقاد الملك لممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، التي تدفع كثيرا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. أنها دعوة صريحة للعمل والاجتهاد وتحمل المسؤولية، وعدم تبرير فشلهم بتبريرات واهية، والاختباء وراء القصر الملكي.
لقد اصطف الملك مع شعبه، وهو يعري واقع السياسة والسيايين، و اشار الى عدم ثقة الشعب في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة ، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل، فكيف لا يخجل هؤلاء من أنفسهم ـ يتساءل الملك ـ رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟.
كما أن تشديد الملك على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الدستور خاصة في فقرته الثانية،التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، انتصار لروح الدستور، اسمى قانون في البلد، حيث أن الفساد الذي ينخر العديد من القطاعات الحيوية، يتطلب تحمل المسؤولية، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، دون تمميز أو إستثناء.
ومن منطلق أن الملك هو المسؤول الاول على خدمة المواطنين المغاربة، المسؤولية التي لا تلعن الظلام، بل تقدم الطرح البديل، وتقترح الحل والعلاج ، فلم يتوانى الخطاب الملكي في تناول احداث الحسيمة، تناول دعى الى تكريس المبادىء الدستورية، وتفعيل القوانيين المؤطرة، واعطى الأولية لتطبيق القانون الذي ينظم العلاقات بين السلط الثلاث، ويحدد الحقوق والواجبات. و يحاسب المقصر و المتهاون، وهو توجه ما فتىء الملك يحض عليه، من خلال المفهوم الجديد للسلطة، المرتكز على ضمان جودة الخدمة العامة وصيانة حقوق المواطنين في اي مكان من خريطة المغرب، وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين.