عمي امبارك : قصة مشرد بمدينة طانطان، عائد من تندوف

 

سعيد السباك. [email protected]

السيد امبارك ولد الطاهر ولد بلعيد “الطواهري”، من مواليد سنة 1952 بقرية تاوريرت –أقا- إقليم طاطا بالجنوب الشرقي المغربي، هو أخ لخمس أخوات، بعد أن توفي الأبوين اضطروا إلى الهجرة جميعا رفقة أختهم الكبرى إلى تندوف بالجزائر ما عدا واحدة منهم كانت قد تزوجت هناك بالقرية.

 

وهو ما يزال صغير عاشوا هناك زمنا ليس بالقصير بعد أن تزوجت الأخوات كلهن هناك حيث رحلت إحداهن إلى موريتانيا مع زوجها وجد نفسه لوحده ولأسباب أخرى فضل عدم الكشف عنها باع كل ما كان يملك هناك بتندوف، ودخل إلى المغرب عبر فكيك بالجنوب الشرقي وكان في نياته العودة إلى مسقط رأسه عند أخته التي كانت قد ماتت دون أن يدري.

 

هناك في الحدود المغربية الجزائرية أقيم بحث عنه و استدعت السلطات خاله الذي كان من شيوخ القبيلة آنذاك بتاوريرت “أقا” وأطلق سراحه على ضمانته. ليشتغل مرة كحداد “سدور” ومرة في إصلاح آلات كهربائية بما يمكنه من توفير مأكل.

 

واضطرته السنوات العجاف التي عاشها حيث لم يبقى أمامه سوى ضيعة تعود ملكيتها لوالديه ليسلمها لإحدى العائلات لاستغلالها في الفلاحة مقابل ألف درهم، والتي سيطالب بها فيما بعد أصحاب الحقوق لكن العائلة المستغلة ترفض تسليمهم إياها. كما يؤكد امبارك أنهم أُخِذ منه مالا كثيرا عند اعتقاله ولكنه لم يستطع استعادته بعدها، بعد أن أخلي سبيله، المال الذي كسبه هناك بتندوف من عمله كحداد أو ككهربائي وكذا من بيعه لأثاثه عند عزمه المغادرة والعودة إلى المغرب.

 

هناك في القرية لم يبقى لمبارك سندا على الحياة و حاميا له من تحامل الزمن عليه عاني الجوع و العطش دون أن يلتفت إليه أحد فجال بين حقول القرية يقتات على بعض الخضر، كالطماطم و فواكه الصبار مستعينا بسكين لتقطيع الخضر. في إحدى المرات وبينما هو على ذلك الحال حيث دخل في شجار مع أحد مالكي الحقول وبعد مشاذات بينهما وصلت لحد الاشتباك بالأيدي، تطورت الأحداث لتصل إلى رفوف المحكمة و تحكم على امبارك بشهرين حبسا نافذا. أمضاها في السجن المحلي لطاطا. عند الخروج من السجن هاجر مباشرة إلى مدينة كلميم ثم إلى مدينة طانطان ليستقر في ميناء طانطان مشتغلا به كحداد “سدور” تم كجامع صناديق بما يضمن له مأكل و مشرب، بعد سنوات طويلة كان ابنه بتندوف قد تزوج و أنجب ابنين الاثنين ذكر وأنثى، فيما انكبت عائلته من داخل المغرب ومن خارجه في بحث مستمر عنه، ولم تفقد الأمل أبدا في وجوده، حيث تتبعوا خطواته لمرات عبر مدن عديدة حسب إفاداتهم و كانوا ينتقلون في كل مرة سمعوا أن هناك أخبار عنه مرة في كلميم و مرة في العيون، دون أن يجدوا أثرا له.

 

إلى أن كتبت الأقدار لهم اللقاء بعد أن نشرت إحدى الصفحات الفيسبوكية الخبر وصورت جريدة إلكترونية شريط فيديو يحكي فيه السي امبارك قصته الكاملة صوت و صورة.

 

بعدها قدمت ابنة أخت امبارك و زوجها من مدينة سلا وكان اللقاء بالدموع والأحضان. كان في نية الأسرة أخد الجد معهم، ولكنه رفض التحرك من مكانه قيد أنملة ولم تفلح محاولاتهم معه، كما لم تفلح الاتصالات معه مع عائلته بتندوف بأن تثنيه عن قراره.

 

الجد امبارك ولد الطاهر ولد بلعيد الطواهري، الإنسان الذي ترك عائلته هناك بتندوف عائدا لوطنه، يقضي ليله ونهاره الآن وعلى مدى ثلاث سنوات تحت قنطرة بمدينة طانطان ويرفض بشكل قطعي أن يتحرك من هناك حتى يأخذ حقه بحسب تعبيره، ماله الذي فقده عند دخوله التراب الوطني و حقه في التعويض بالسكن اللائق شأنه شأن باقي قاطني “المخريب” سابقا الذين تم تعويضهم، كما يرفض أن تتبنى قضيته أي جهة إحسانية كيفما كانت. يتضرع إلى الله في كل صلاة أن ينصفه. ليس بالأحمق ولا بالمجنون، ولكنه فضل نوع آخر من الاحتجاج ويحكي بحرقة في العديد من المناسبات عن معاناته لكل من سأله و يستنكر سبب إقصائه من حقوقه الكونية حسب تعبيره.

 

الإطارات الجمعوية بالطنطان لم تخلف الموعد حيث تدخل عدد من أطر جمعية “اوناس” الفاعلة بإقليم طانطان والمهتمة بكل ما هو صحي واجتماعي تضامني، حيث قدموا له عدد من الخدمات الاجتماعية و الصحية، كما ساهموا من خلال أنشطتهم إلى جانب إطار نقابي دائع الصيت بنفس المدينة بتسليط الضوء حول قضيته، من خلال عدد من مناسبات الإفطار الجماعي برفقته.

 

ولم تتوانى باقي الصفحات الفيسبوكية و الإطارات الجمعوية الفاعلة وكذا الحقوقية و النقابية بالمدينة عن لفت الانتباه لقضيته في عدد من المناسبات لعل آخرها دعوتهم للتجمع إلى جانبه قرب قنطرة وسط المدينة التي يقام بجانبها منذ سنوات، يوم الثلاثاء 19 يونيو 2018 على الساعة 18:00 لعلها تكن خطوة أنجع لتسليط المزيد من الأضواء حول القضية و يتم إطلاق نداء للمحسنين لينقذوا هذا الجد من الشارع.

زر الذهاب إلى الأعلى