السيدة فاطنة المدرسي.. على خطى مؤسِّسة جامعة القرويين

المحررـ متابعة

ما إن ترجلت الحاجة فاطنة المدرسي من السيارة التي أقلتها إلى المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (الإدارة) بمدينة وجدة شرق المغرب يوم السبت الماضي، حتى تسابق طاقم التدريس والإدارة على تقبيل رأسها والثناء على العمل الذي قامت به لصالح التعليم العالي في هذه المدينة.

سارت الحاجة -كما يحب الجميع مناداتها- بخطى هادئة زاد من تثاقلها تقدم الزمن بها (84 سنة)، نحو قاعة صغيرة في المدرسة لتستريح قليلا، قبل أن تنطلق فعاليات الاحتفاء بها وإطلاق اسمها على أحد أكبر مدرجات المدرسة التي أنفقت 600 مليون سنتيم (حوالي 631 ألف دولار) من مالها الخاص لتشييدها قبل 15 سنة.

وقد احتفلت المدرسة التي تحتضن اليوم -وفق الإحصائيات التي تقدمها جامعة محمد الأول- 748 من نخبة طلبة التجارة والتسيير، بتخرج الدفعة العاشرة.

مقعد مع الطلبة
عندما ولجت الحاجة المدرسي إلى المدرج الذي أخذ اسمها ابتداء من ذلك التاريخ، استقبلها العشرات من الطلبة بالتصفيق الحار، وأطلقت طالبة عبارات الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيما أطلق أخريات الزغاريد احتفاء بالحاجة.

جلست المدرسي في مقعد مع الطلبة، وعاشت لحظات لم يسعفها القدر أن تحيا مثلها وهي في ريعان الشباب، لكنها كانت سببا في أن عاشها جيل بأكمله تخرج في هذه المدرسة وساقته أمواج الحياة إلى مختلف الميادين والمؤسسات.

شكر وعرفان
يقول محمد بنقدور رئيس جامعة محمد الأول التي تتبع لها المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، موجها كلامه للطلبة الذين احتفوا بالمدرسي، “لم نأت اليوم إلى هذا المكان فقط لنأخذ الصور، ولكن لإعطاء العبرة وشكر الحاجة فاطنة”.

على خطى الفهرية
قليلون يعرفون أن جامعة القرويين بفاس المغربية -والتي صنفت في كتاب غينس للأرقام القياسية أقدم جامعة في العالم- أسستها امرأة اسمها فاطمة الفهري، قدمت من تونس ووهبت كل ما تملك من أموال لتشييد هذه الجامعة التي تخرج فيها الآلاف.

ورغم اختلاف الزمان والظروف التي دعت الفهري إلى إنفاق مالها في سبيل تشييد صرح علمي كبير، فإن ذلك لا يخفي وجه الشبه مع ما أقدمت عليه فاطنة المدرسي السيدة القادمة من مدينة فجيج في جنوب شرق المغرب.

ويتجلى ذلك في إنفاق كل أموالها في سبيل تشييد صرح علمي، كانت وجدة وطلابها في أمسّ الحاجة إليه.

d38ddecb c717 4514 9019 2377004a22a8

مدرسة أم مسجد؟
ولأن الحاجة فاطنة لا تجيد الحديث عن نفسها، وتختار دائما التعبير عما يخالجها من مشاعر بتوزيع الابتسامة والصمت، قرر ابنها مصطفى الحديث باسمها، وكشف للجزيرة نت أن والدته سنة 2003 توجهت إلى رئيس المجلس العلمي في وجدة (هيئة رسمية تعنى بالشأن الديني)، والتقت الشيخ مصطفى بنحمزة رئيس المجلس وأحد رموز العمل الخيري في المدينة.

وأضاف أن والدته طلبت من بنحمزة أن يدلها على مجال تنفق فيه أموالها، شرط ألا يكون هذا العمل هو تشييد مسجد، وهو ما سار عليه العشرات بل المئات من المحسنين في المدينة حتى أصبحت وجدة اليوم تحوي أكثر من ثلاثمئة مسجد، كثاني مدينة بعد إسطنبول من حيث عدد المساجد.

وفي ذلك العام، كانت الحاجة ماسة لتشييد مدرسة للتجارة والتسيير أسوة بعدد من المدن المغربية التي كانت قد سبقت إلى تشييد هذه المدرسة، على اعتبارها واحدة من المؤسسات التي تحتضن نخبة من الطلبة الذين يدرسون التجارة والتسيير، فما كان من بنحمزة إلا أن وجهها إلى إنفاق مالها في هذا العمل.

مدرسة افتراضية
سنة 2003 وبعد الإعلان عن إحداث المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير في وجدة، أعلنت الإدارة عن مباراة لانتقاء طلبة الفوج الأول، وبعد انقضاء الوقت المحدد تم اختيار 106 طلاب شكلوا الفوج الأول.

وقد كان للمدرسة أساتذة وإداريين وطلبة ينتسبون إليها، لكنها لم تكن تملك بناية، فقد كانت مدرسة افتراضية، بحسب بلقاسم عمامو أول مدير للمدرسة.

مدرسة ومسجد ومدرج
ويشير عمامو -في تصريح للجزيرة نت- إلى الجهود التي بذلت في سبيل إخراج هذه المؤسسة إلى حيز الوجود، وإلى أن تدخل الحاجة المدرسي وإعلانها التبرع للمساهمة في تشييدها شكل فارقا كبيرا في تاريخها، ففي البداية اعتقد الجميع أن مساهمتها ستكون بسيطة، لكن مفاجأتهم كانت كبيرة عندما قررت تشييد مدرج وجناح بيداغوجي (تربوي) ومسجد.

رحلة اكتساب المعارف
ويؤكد جطار عبد الصمد -وهو من الأساتذة الأوائل في هذه المؤسسة- أنه خلال مرحلة غياب البناية، تنقل الطلبة بين عدد من المباني الحكومية لتأمين دراستهم، من كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الأول إلى قاعات غرفة التجارة والصناعة والخدمات مرورا بقاعات المدرسة العليا للتكنولوجيا.

وشبه جطار رحلة الطلبة لاكتساب المعارف خلال تلك الفترة -في تصريح للجزيرة نت- برحلة الحجاج بين الصفا والمروة، لكن تشييد البناية أنهى الرحلة ومنحهم الاستقرار.

المصدر : الجزيرة نيت

زر الذهاب إلى الأعلى