تحت عنوان: “الطريقة التيجانية موضوع تنافس جديد بين المغرب والجزائر”، قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إنه بالإضافة إلى الجبهات الدبلوماسية والجيوسياسية والثقافية، فإن الرباط والجزائر تتصادمان حول الروحانيات، وبالتحديد الطريقة التيجانية التي هي إحدى الطرق الصوفية، والتي يقدر عدد مريديها بأكثر من 200 مليون نسمة حول العالم، وخاصة في غرب إفريقيا (السنغال وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا).
وذكرت “جون أفريك” بأن مؤسسها أحمد التيجاني توفي ودفن في مدينة فاس المغربية عام 1815، مما أعطى العاصمة الروحية هذه مكانة “مكة الثانية” للتيجانيين. لكن سيد هذا الطريقة الصوفية ولد أيضا في 1737 أو 1738 في عين المهدي، وهي بلدة تقع في الصحراء الجزائرية على بعد أكثر من 400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، مما يجعلها مهد التيجانية، حسب السلطات الجزائرية.
ومع ذلك، وفقًا للمؤرخ والمتخصص في التيجانية، جيلالي العدناني، الذي يدرس في جامعة محمد الخامس بالرباط، فإن “عين المهدي كانت أرضًا مغربية قبل أن تضمها فرنسا وتتبعها إلى الجزائر بعد عام 1830”، كما تنقل عنه المجلة.
القوة الناعمة المغربية
وتواصل “جون أفريك” التّذكير بأن أحمد التيجاني لجأ إلى المغرب عام 1799، حيث رحب به السلطان مولاي سليمان بحرارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن جد أحمد التيجاني جاء من قبيلة مغربية، وهي حقيقة يشهد عليها بشكل خاص الأمير عبد القادر، وهو شخصية بارزة في الحركة الوطنية الجزائرية، يشير الباحث المغربي جيلالي العدناني، مضيفا أنه على عكس الدبلوماسية، حيث اعتادت الجارتان على الضربات المتبادلة والبيانات الصحافية الحارقة، فإن هذه المعركة الروحية تدور من خلال المؤتمرات والقمم المتداخلة، وذلك منذ عقود.
وتشير “جون أفريك” إلى أنه تجري الآن الاستعدادات للمؤتمر السابع عشر لمنظمة التعاون الإسلامي، الذي من المقرر أن تستضيفه الجزائر في الأشهر المقبلة. وهي مناسبة تجمع 57 دولة إسلامية، خططت السلطات الجزائرية أن يتم خلالها تنظيم زيارة إلى عين المهدي، بحضور الزعيم الروحي لفرع التيجانية الجزائرية سيدي علي بلعربي التيجاني. وتعد هذه الخطوة طريقة رائعة للترويج لعين المهدي على أنها “البيت الأم” للتيجانية، وفق “جون أفريك”.
ومع ذلك – توضح “جون أفريك”- تعتبر فاس بالفعل مكان التيجانية، حيث تجذب في كل عام حوالي 1.5 مليون شخص، وتتمتع زاويتها بأكبر تأثير في القارة الأفريقية. وتجسد الطريقة التيجانية روح القوة الناعمة المغربية في إفريقيا، كما تخدم المصالح السياسية والدبلوماسية للرباط التي تعتمد اليوم على شبكة تيجانية لتصبح قوة أفريقية.
في قلب العلاقة بين المغرب والسنغال
ومضت “جون أفريك” إلى التوضيح أن المغرب قبل عودته إلى هيئات الاتحاد الأفريقي في عام 2017، مكنته هذه الشبكة من حشد – أو محاولة حشد – دول جنوب الصحراء الكبرى من أجل قضيته الوطنية الكبرى: مغربية الصحراء.
تاريخياً – تضيف المجلة – أقامت هذه الطريقة جسراً بين شعوب ضفتي الصحراء، ولا سيما بين المغرب والسنغال. وتنقل “جون أفريك” عن الباحث باكاري سامبه، مدير معهد تمبكتو، توضيحه: “البعد الاجتماعي السياسي للتيجانية، والروابط التي نسجت من خلالها، أو من خلال استغلالها، تضفي على العلاقات السنغالية – المغربية خصوصيتها وطابعها الدائم. لا يمكن الحديث عن العلاقات مع المغرب دون الإشارة إلى هذه الأخوة. في السنغال، يُنظر إليه على أنه الأساس، إن لم يكن الدعم الديني، للعلاقات الثنائية”.
عندما اعتلى الملك الحسن الثاني العرش قاد سياسة “العودة إلى إفريقيا” وأقام علاقات قوية جدًا مع السنغال: في عام 1963، مول الملك وافتتح المسجد الكبير في داكار. في عام 1985، أسس رابطة العلماء في المغرب والسنغال. أما السنغال فتنظم كل عام أياماً مخصصة لمؤسس التيجانية أحمد التيجاني. وعندما توفي الحسن الثاني عام 1999، يتذكر باكاري سامبه أن وريثه، الملك محمد السادس، كلف وزير الشؤون الدينية الخاص به بقراءة رسالة طويلة مترجمة إلى الولفية (اللهجة المحلية الرئيسية في السنغال) إلى السنغاليين التيجان. في المقابل، أعرب مودو سي، شيخ سنغالي مهم جدا من التيجانية، عن “ولاء الإخوان وشيوخها للعرش العلوي”.
وبحسب باكاري سامبه دائما، يعود الفضل إلى حد كبير للتيجانية في أن العلاقات المغربية السنغالية ظلت مستقرة وودية، حتى بعد انتخاب عبد الله واد رئيسا للبلاد في عام 2000. وكان هذا الخصم السابق قد اعترف بجبهة البوليساريو قبل ذلك. ففي أول زيارة رسمية للمغرب صرح على شاشة تلفزيون قناة 2M المغربية: “أنا إلى جانب المغرب والسنغال إلى جانب المغرب”.
وأكدت “جون أفريك” أن هذه الهالة الروحية أثارت اهتمام الجزائر في وقت متأخر، موضحة أنه في نهاية القرن التاسع عشر، كانت السلطات الفرنسية الموجودة في الجزائر مقتنعة بأن الفرع المغربي للتيجانية، الذي كان له تأثير كبير بالفعل في غرب إفريقيا، كان يغذي مقاومة ضد الاستعمار. “ثم استخدموا فرع التيجانية في عين المهدي لجعلها طريقة عابرة للحدود”، وفق المؤرخ المغربي جيلالي العدناني، لكن المشروع ظل حبرا على ورق. وخلال الحرب الجزائرية، عارضت جبهة التحرير الوطني هذه الطريقة الصوفية.
ويتابع المؤرخ أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، استحوذت الجمهورية الجزائرية على مصلحة التيجانية “لخدمة طموحاتها الجيوستراتيجية ولاحقًا لمواجهة الإسلاموية”.