قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن القرب بين أنقرة والجزائر لم يعد بحاجة إلى إثبات؛ لكن يبدو أن الأتراك مصممون أيضا على الاقتراب من الرباط. وتساءلت المجلة: بفضل هذا التوازن، هل يمكن لأردوغان أن يخفف التوترات بين “البلدين الشقيقين”؟.
وأشارت المجلة إلى تصريحات السفير التركي لدى المغرب، خلال مقابلة مع موقع ماروك إيبدو في نوفمبر الماضي، والتي قال فيها: “نحن على استعداد للمساعدة في عملية التقارب بين المغرب والجزائر […] قضية الصحراء هي نزاع مصطنع بحت. تركيا تؤيد حل المشكلة في أسرع وقت ممكن”. جاء ذلك، قبل الإعلان عن الإنشاء الوشيك لـ “قناة تركية” في العيون. بعد ذلك بأيام قليلة، كشف تقرير نشرته وكالة الاستثمار عن الافتتاح المرتقب لمكتب تجاري تركي في الصحراء المغربية، وذلك بقرار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه، بهدف جعله قاعدة للصادرات التركية إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء.
العلاقات الثنائية في حالة جيدة
وتقول “جون أفريك” إن تلك خطوة جيدة كان من الممكن أن تثير استياء الجزائريين الذين لديهم سبب وجيه لاعتبار أنفسهم “أفضل حليف” لتركيا في المنطقة المغاربية. لكن يبدو أن الجزائر وأنقرة تتعاونان في جو من الثقة، كما يتضح من الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام في مايو الماضي من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تركيا.
وبين عامي 2006 و2013، قام أردوغان رئيس الوزراء آنذاك بما لا يقل عن أربع رحلات رسمية إلى الجزائر. ومنذ انتخابه رئيساً، زار الجزائر في 2014، ثم في 2020. كانت زيارة تبون الأخيرة فرصة للبلدين المرتبطين بقرون من التاريخ لتعزيز تعاونهما الثنائي من خلال توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مثل الصناعة العسكرية والطاقة أو المناجم.
وذكّر الرئيس عبد المجيد تبون أن “الجزائر هي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا”، مضيفا أن الشركات التركية نفذت في السنوات الأخيرة أكثر من 377 مشروعا استثماريا في الجزائر. مع وجود نحو 800 شركة في البلاد، فإن الأتراك هم أول أرباب عمل أجانب هناك.
مصالحات خجولة؟
على العكس من ذلك، توضح “جون أفريك”، فإن العلاقات المغربية التركية أقل وضوحا، على الرغم من أنها طويلة الأمد، إذ تعود زيارة أردوغان الرسمية الوحيدة إلى المغرب إلى عام 2013، حين كان رئيسيا للوزراء. وكان اللقاء الأول بين رئيس الدولة التركية والملك في عام 2014، خلال زيارة خاصة للملك وعائلته. منذ ذلك، كانت هناك فقط زيارات ثنائية قليلة لوفود من الوزراء ورجال الأعمال من البلدين. وفي يوم 11 أكتوبر الماضي أفادت وكالة الأناضول التركية بأن الرئيس أردوغان دعا الملك محمد السادس لزيارة تركيا قريبا. دعوة وجهها نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، خلال مقابلته رئيس الحكومةالمغربي عزيز أخنوش. فهل هي علامة على دفء العلاقات الدبلوماسية؟، تتساءل “جون أفريك”.
تتابع المجلة الفرنسية أنه فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي مع المغرب، تظل النتائج متباينة. فبعد اتفاقية التجارة الحرة لعام 2006، شهد الميزان التجاري انخفاضا حادا، إذ وصل العجز المغربي إلى قرابة 1.6 مليار يورو في عام 2019. ويتمثل موضوع الخلاف التجاري بين البلدين في الإغراق والمنافسة غير العادلة من قبل الشركات التركية التي دمرت مئات الآلاف من الوظائف، لا سيما في مجال المنسوجات. وهو الوضع الذي دفع الرباط إلى التراجع عن طريق فرض الرسوم الجمركية. لكن ذلك لا يمنع أن تركيا هي أحد الموردين الرائدين للمغرب في مجالات السيارات (السيارات الصناعية والجرارات الزراعية) وصناعة الصلب (الحديد والصلب).
القوة الناعمة الثقافية
في الوقت نفسه، لم يسلم التأثير الثقافي لتركيا، الذي أثر على العالم الإسلامي بأسره لعدة سنوات، بما في ذلك في المغرب والجزائر. والدليل على ذلك هو إنشاء معهد يونس إمري في كلا البلدين، وهو مركز لغوي وثقافي يساهم في القوة الناعمة التركية. ولكن أيضًا شعبية المسلسلات التركية التي تبث قيما متشابهة ثقافيا.
كما أن انفجار السياحة أصبح حقيقة واقعة، حيث لم تطلب تركيا تأشيرات دخول من المواطنين المغاربة الذين توافدوا عليها في ذروة أزمة التأشيرات مع فرنسا. من ناحية أخرى، ما يزال المواطنون الجزائريون بحاجة إلى تأشيرة للسفر إلى تركيا، والتي نوقش ملف إلغائها خلال زيارة تبون الأخيرة لأنقرة.
نقطة أخرى مهمة، توضح “جون أفريك”، هي الموقف التركي من قضية الصحراء المغربية، محور الخلاف الرئيسي بين الرباط والجزائر، إذ تتماشى تركيا مع قرارات الأمم المتحدة. يوضح أحد المتخصصين في تركيا قائلاً: “لكن يمكن لأنقرة أن تدعم بشكل أكثر انفتاحا خطة الحكم الذاتي المغربية في المستقبل”، مضيفاً: “أن يضع الأتراك أنفسهم كوسطاء محتملين في الخلاف الدبلوماسي بين المغرب والجزائر ليس مفاجئًا”.
حاولت أنقرة أيضا لعب دور رئيسي في حل أزمتين جيوسياسيتين رئيسيتين: الحرب في أوكرانيا والأزمة الليبية. لكن ما تغير اليوم هو الاتفاقات بين القوات المسلحة الملكية (FAR) والصناعيين العسكريين الأتراك، خاصة وأن الأسلحة المذكورة تستخدم بنشاط من قبل القوات المسلحة الملكية شرق الجدار الرملي في الصحراء. في شهر نوفمبر 2021، أيدت الجزائر فرضية استخدام طائرة تركية من طراز بيرقدار تي بي 2 بدون طيار في قضية سائقي الشاحنات الجزائريين الثلاثة الذين قُتلوا بالقرب من بير الحلو. منذ ذلك الحين، انطلق السباق على الطائرات بدون طيار، ويعمل الجيش الجزائري على تحسين ترسانته الجوية بالتوازي. في أكتوبر الماضي، ورد أن القوات الجوية الجزائرية طلبت ست طائرات بدون طيار من طراز TAI Aksungur MALE من شركة صناعات الفضاء التركية.
وتساءلت “جون أفريك”: في لعبة الشطرنج الجيوسياسية هذه، هل ستكون أنقرة قادرة على دفع بيادقها وتأمل في التحكيم في اللعبة؟، موضحة أن الموقف التركي في الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر يتماشى مع الخط السياسي لأردوغان: لتأكيد نفسه كلاعب عالمي رئيسي مع نشر صورة وسيط قوي وخبير في الأزمات.
وذكّرت المجلة أنه قبل أردوغان، حاول كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ورئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان التوسط بين البلدين الحارسين، وكذلك العاهل الأردني عبد الله الثاني، الذي اقترح خلال زيارته للجزائر في ديسمبر الماضي وساطة جديدة.