بقلم شمراح عبد المنعم، باحث في القانون العام والعلوم السياسية
إن أي قاموس اشتقاق في اللغة الفرنسية يدلنا على أن الديمقراطية مركبة من مفردتين يونانيتين، وتعني (سلطة الشعب) أو سلطة الجماهير.
بداية لابد أن نقر بأن هذا الفهم يبقى سطحيا، وذلك لأن الديمقراطية ليست مجرد عملية سياسية، عملية تسليم سلطات إلى الجماهير، إلى شعب يصرح بسيادته نص خاص في الدستور. بل هي تكوين شعور وانفعالات ومقاييس ذاتية واجتماعية، تشكل مجموعها الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية في ضمير الشعب، قبل أن ينص عليها أي دستور، والدستور ما هو غالبا إلا النتيجة الشكلية للمشروع الديمقراطي عندما يصبح واقعا سياسيا يدل عليه نص توحي به عادات وتقاليد، ويمليه شعور في ظروف معينة، ولا يكون أي معنى لهذا النص إن لم تسبقه التقاليد والعادات التي أوحت به أو بعبارة أخرى المبررات التاريخية التي دلت على ضرورته.
ففي أوربا لم تتأتى الديمقراطية فجأة ، وإنما كما وضح المؤرخ الفرنسي “جيزو” في كتابــــه » أوربا من نهايـــة الإمبراطوريـــة الرومانيـــة إلى الثـــورة الفرنسيـــة ». بأنها حركة من التطور التي أدت إلى ظهورها في أوربا، ونمو الشعور الديمقراطي في البلاد الأوربية.
فالمؤرخ الكبير بين كم كانت أصول الديمقراطية الغربية بعيدة وبسيطة وكيف تكون الشعور الديمقراطي ببطء، قبل أن يتفجر بالتالي في التصريح الذي يعبر عن التقويم الجديد للإنسان وعن التتويج الأسطوري والسياسي للثورة الفرنسية.
إن الشعور الديمقراطي في أوربا كان النتيجة والمآل الطبيعي لحركة الإصلاح والنهضة. فهذا هو معناه التاريخي الصحيح، فهذا الشعور الديمقراطي كما أكد المفكر «مالك بني نبي في كتابه القضايا الكبرى» هو نتيجة لاطراد اجتماعي معين، فهو بالمصطلح النفسي، الحد الوسط بين طرفين كل واحد منهما يمثل نقيضا بالنسبة للآخر، النقيض المعبر عن نفسية وشعور العبد المسكين من ناحية، والنقيض الذي يعبــــر عن نفسيـــة وشعـــور المستبعـــد المستبــــد من ناحية أخرى.
إن ما يؤكد هذا الشعور والمقاييس الذاتية والاجتماعية في ضمير الشعب والتي تشكل أسس الديمقراطية، قبل أن ينص عليها أي دستور، هي الديمقراطية الانجليزية، حيث تمتاز إنجلترا بحياة ديمقراطية ممتازة، دون أن يكون في أساسها نص دستوري خاص يحمي الحقوق والحريات التي يتمتع بها الشعب الانجليزي، وإنما تحميها تقاليد الشعب ذاته وعاداته وأوضاعه النفسية، وعرفه الاجتماعي.
و في المغرب ينطبق علينا نفس الشيء، فلا انتقال ديمقراطي بدون ثورة ثقافية معرفية ترسخ الوعي والكرامة في الشعب وتذوقه طعم الحرية وما أدراك ما الحرية، حيث لا يمكن أن نتحدث عن الديمقراطية في ظل غياب الفكر والشعور الديمقراطي.
إن عملية ترسيخ وتكوين الفكر الديمقراطي في بلادنا لن تتأتى فجأة، بل تقتضي أدوات وقنوات كالأحزاب السياسية، المجتمع المدني والمثقف… والتي من المفروض أن تلعب دورها الذي يتجلى في التبليغ والتثقيف.
لكن هذه القنوات وللأسف تبقى شبه غائبة إن لم أقل غائبة تماما، حيث الأحزاب السياسية أصبحت مجرد آلات مناسباتية تظهر في وقت الانتخابات فحسب. فلا برنامج سياسي وطني لها، ولا نخبة سياسية حرة ومستقلة تندد بالفساد الذي ينخر جسم البلاد وبالخروقات التي تطال حقوق الإنسان.
كما أن المجتمع المدني أصبح شريك في ممارسة السلطة لا مضاد في ممارستها، بإستثناء بعض الجمعيات التي تحاول التغريد خارج السرب رغم المضايقات التي تتعرض لها. وبالنسبة للمثقف الذي من المفروض أن يقوم بالتبليغ، وأن يكون قدوة بتواضعه وأخلاقه وعدم تنازله عن كلمة الحق ولو على حساب حريته وحياته. فهو أصبح مثقـــف السلطة إلا من رحم ربك من الشرفاء.
في غياب هذه القنوات تكون النتيجة حتما: هي ظهور جيل من الشباب، كما قال المرحوم السوسيولوجي الكبير محمد جسوس «جيل من الضباع»، قدوته هي تلك الفنانة التي لا كلمات ولا لحن في أغانيها سوى إبراز مفاتنها في القنوات التلفزية .