المحرر الرباط
ما تطرقنا له حول العلاقات التي تجمع لوبي الصيد في اعالي البحار و الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري لم يعد امرا يحتاج الى كثير من النقاش، بل و حتى خلافات هاته السيدة مع رئيسها المباشر الذي هو وزير الفلاحة و الصيد البحري لم يعد سرا أو غسيلا يخص العائلة، بل اصبح حديث كل لسان في اوساط المهنيين.
علاقات الكاتبة العامة التي تريد البقاء في منصبها لاطول فترة مع اللوبي المتحكم و المسيطر على اعالي البحار اختزلتها رسالة موجهة الى الوزير من طرف احدى الهيئات المهنية، و التي كشفت تفاصيل خطيرة ماكانت لتمر مرور الكرام لو اننا في دولة يحترم فيها المسؤولون انفسهم قبل احترام وطنهم، ولا يهدد فيها فاسد مواطنا بالقضاء.
جمعية اطر القطاع البحري نفضت الغبار عن حقيقة العلاقات التي تجمع الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري بمن اسمتهم لوبيات الفساد و الريع داخل القطاع, و اتهمت الكاتبة العامة صراحة بالرشوة و الابتزاز, بل و قدمت تفاصيل خطيرة حول استغلال اقارب من عائلة هاته الاخيرة لمنصبها في الحصول على صفقات لفائدة شركتهم و لم يتجرأ أي كان على فتح تحقيق في الموضوع.
مصادر من داخل الجمعية أكدت للمحرر على أن شركة Compagnie de Sourcing et de Conseil المملوكة لعائلة الكاتبة العامة قد استفادت من صفقات كثيرة داخل قطاع الصيد البحري, و ان العديد من الشركات المالكة لمراكب للصيد قد فوتت صفقات تجهيز وهمية لهاته الشركة في اطار تبييض الرشوة التي يقدمها المتحكمون في القطاع الى الكاتبة العامة.
الرسالة التي توجهت بها الجمعية الى الوزير محمد صديقي عبر كمال صبري رئيس غرفة الصيد البحري الاطلسية الشمالية اثارت ضجة في اوساط المهنيين الذين بدؤوا يفهمون تفاصيل اللعبة و يفكون خيوط مجموعة من النعم التي بقيت حكرا على بعض الاشخاص دونا عن غيرهم, لكن الوزير لم يستطع فعل شيء أمام قوة و نفوذ السيدة الكاتبة العامة و اكتفى بالصمت حيال مراسلة من المفروض أن تتم احالتها على النيابة العامة لفتح تحقيق.
مرت الزوبعة التي اثارتها الرسالة كما مرت سابقاتها منذ ان استوزر عزيز اخنوش و اصبح الحاكم الفعلي لبحار البلاد و قوت العباد، و ها نحن اليوم نجني ثمار سنوات الضياع التي اتت بالضباع و منحتهم ثروات الوطن الطبيعية فاستنزفوها ولم يتركوا اثرا للدم يقتفى به اثرهم، عدا اخنوش المستعد لتحمل المسؤولية التي عجزت الجبال على تحملها.
في ذات السياق نتساءل أليس من واجب الكتابة العامة لقطاع الصيد ضمان مستحقات الدولة المغربية من الكميات الهائلة التي يتم اصطيادها على مستوى بحرنا؟ و لماذا عندما تعلن هذه المؤسسة عن صفقة للامن الخاص تشترط على الشركات اداء واجبات صناديق الضمان الاجتماعي و الضرائب، لكنها لا تفعل ذلك مع الشركات التي تمتلك مراكب للصيد في اعالي البحار؟
تخيلوا أن شركات للصيد في اعالي البحار لم تدفع مستحقات الدولة منذ تاسيسها قبل ثماني سنوات، و تستفيد من كوطات سمينة و امتيازات عظيمة و محروقات مدعمة من جيوب المواطن، و فوق كل هذا تهدد عباد الرحمان بالقضاء كلما قال احدهم اللهم ان هذا لمنكر!!! نعم ايها السيدات و السادة هكذا هي بلادنا التي تسود فيها لغة المال و النفوذ.
الكاتبة العامة التي من المفروض ان تضمن حقوق الدولة قبل حقوق المقربين، و التي يصفها الطبالة بالذكاء و الوطنية و العمل الجاد، لم تفكر يوما في مطالبة من يستنزفون ثروات هذا الوطن بوضعيات شركاتهم حيال المديرية العامة للضرائب حماية لحقوق الدولة ولا حيال صناديق الضمان الاجتماعي حماية للبحارة و لمن يغامر بحياته كي يأتي بالملايير لاصحاب الريع.
نفس السيدة و بدل اقتراح حلول و مخرجات لضمان اداء واجبات الدولة، تساير المتهربين من الضرائب في خططهم، و تبحث لهم عن اسواق يصرفون فيها حوتهم الغير مقبول خارج ارض الوطن، و تقرر المواسم نزولا عند رغباتهم و إذا رفضوا تحريك اساطيلهم فالبحر ممنوع على غيرهم، ولا يهم الوطن و مصالحه بقدر ما تهم شركة الاقارب و صفقاتها السمينة.
المنطق يفترض بأن تكون وزارة محمد صديقي أول جهة تضمن حقوق خزينة الدولة من ثرواتها الطبيعية, عوض الاكتفاء بتوزيع ثروات الوطن على من يحول قيمتها الى جيبه دون المرور عبر القوانين الضريبية التي تفرض على جميع القطاعات, ثم يطل علينا عبر نافذة احدى الجمعيات ليمن علينا بمبادرة لا اساس لها ولا رأس بل تضرب في الصميم مبدأ المنافسة الشريفة.
ذبح الدولة عبر التهرب من اداء الضريبة, اصبح بمثابة عادة بالنسبة لبعض الاشخاص المستفيدين من رخص استغلال ثروات الوطن, و نقلوا تجاربهم في هذا النشاط الاجرامي الى قطاعات اخرى حيث يمتلكون شركات لا تدفع الضرائب للدولة فاصبح قطاع الصيد البحري مرجعا بالنسبة اليهم يستفيدون فيه من تجاربهم الناجحة للتهرب من اداء الضرائب.
و قد تعتبر جريمة التهرب الضريبي في ظل الازمة التي تمر منها بلادنا بمثابة خيانة للوطن يرتكبها من راكم الملايير من خيراته و من يتواطئ معهم داخل مؤسسات الدولة, حيث يعكف هؤلاء منذ ايام على وضع لوائح المستفيدين من خروف العيد كمكافأة على التواطئ و التأمر على خزينة الدولة التي تبقى الخاسر الوحيد من كل ما سبق ذكره.
الاّ تؤدي الضريبة للدولة و انت تستفيد من ريع مقنن فذلك قد يُحسب اجراما في حق الوطن، لكن ان تخرج ببلاغ تتهم فيه الناس بالفساد و انت اله الفساد عند الرومان فتلك هي الوقاحة بعينها، و من كان يحسب أن اسحار العفريت “صمهن” ستنفع معنا فهو مخطئ، لان من ربّانا قد علمنا جيدا بأن نترك المعلقة بدون رب العزة تسقط.
ولعل احسن ما يمكن ان نختم به هذا المقال هو مطلع قصيدة لعمرو ابن كلثوم:
أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا
وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا
بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضاً
وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا….