المحرر الرباط
ما ذنب الاطفال و النساء و العجزة الذين قتلوا في غارات الجيش الاسرائيلي على غزة، إذا لم تكن اسرائيل تعتزم اتمام مهمة التصفية العرقية للشعب الفلسطيني في اطار مخططها الصهيوني الهادف الى الاستيلاء على ما تعتبره ارضا للميعاد.
مجزرة بكل المقاييس يرتكبها الجيش الاسرائيل بمباركة دولية، اذا ما استمرت لايام قليلة، ستفوق بشاعتها حميع جرائم الحرب التي شهدها التاريخ، و ستكون بذلك اسرائيل اكثر جرما ممن ارتكب في حقها ذات يوم محرقة الهولوكست.
الجمهور العربي يعتقد أن رؤساءه خونة للقضية الفلسطينية، و قليل منهم من يرون أن السياسة تستدعي مراعاة المصالح العليا للوطن حتى و ان اقتضى الامر تقديم تنازلات مهينة، لكن لا احد يتساءل لماذا اصبحت دولة اسرائيل التي تأسست يوم امس، دولة عظمى فاقت قوتها جميع الدول العربية.
لا يمكننا أن نعارض دفاع الشعب الفلسطيني عن نفسه، و لا انتقاد المقاومة الفلسطينية المشروعة، طالما اننا نؤمن بأن اسرائيل دولة محتلة، لكن عندما تتحول المقاومة الى اداة يتحكم فيها الاغراب عن غزة، لتنفيذ اجندات تضر بالدرجة الاولى الشعب الفلسطيني، فهنا يجب الوقوف على نفس المسافة من طرفي النزاع على الاقل لاجل تحليل الوضع بحياد.
ما قامت به حماس يوم السابع من اكتوبر، لن يحرر فلسطين، ولا يدخل سوى في مصلحة الدولة الايرانية و معها حزب الله، ان لم نقل انه كان بايعاز من هذا الكيان، الذي يجد نفسه محاصرا شيئا فشيئا، كلما توصلت اسرائيل الى اتفاقيات مع مزيد من الدول العربية و الاسلامية، و كلما اكتشفت روسيا ان السوق تلفظ اسلحتها التي لا يقتنيها احد.
ورغم الدمار الذي حل بغزة، لاتزال حماس مصرة على التصعيد، و كأن القصف الذي يطال الابرياء لا يهمها في شيء، بل و ان البعض ذهب في التحليل الى ابعد من هذا، و اتهم الحركة بالولاء لاسرائيل، عبر اعطائها الفرصة و المبرر لتصفية مزيد من الفلسطينيين، و بمباركة دولية و مساتدة من قوى عظمى.
نحن في سنة 2023، و الحقيقة هو ان السلاح لم يعد حلا لتحرير فلسطين، وحماس بصواريخها البدائية لن تستطيع اخراج المحتل من تلك الارض المباركة، بقدر ما ستكون هجماتها مبررا له بقتل مزيد من الاطفال و النساء و الشيوخ، و ضوءا اخضرا لممارسة ساديته على الابرياء، فيما ان التاريخ اثبت ان نظير كل اسرائيلي تقتله حماس يموت العشرات من الفلسطينيين.
نحن نتحدث عن الاف الضحايا الفلسطينيين منذ السابع من اكتوبر، لكن لا احد يتحدث عن الاسرائيليين المدنيين الذين تسعى حماس لقتلهم بصواريخها، اليس لهؤلاء حقا كونيا و شموليا في الحياة، شأنهم شأن أي مسلم و مسيحي و بوذي ولا ديني؟ أم ان صواريخ حماس مبرمجة على قتل الجنود فقط بعد سقوطها على الارض؟
الجيش الاسرائيلي و حماس، وجهان لعملة واحدة، كلاهما يستهدفان المدنيين، مع فرق في القوة و العتاد، و لو ان لحماس طائرات حربية و اسلحة متطورة، لكانت تل ابيب اليوم خراب في خراب، ولرأينا سقوط الصواريخ على المستشفيات و انتشال جثت الاطفال من تحت الانقاض، تماما كما هو الحال في غزة، و اذا كانت اسرائيل اخف ضرر فذلك مرتبط بفعالية اسلحة حماس و ليس بانسانية قياداتها.
ما يجب ان نعترف به كعرب، هو اننا نتحمل جميعا مسؤولية ما يقع في فلسطين، و أن الغرب عندما كان يبني مستقبله، و يؤمن قلوعه، كان العرب يصرخون “عظمة على عظمة يا ست” في حفلات ام كلثوم، بينما راهن قاداتهم على الحصان الخاسر، و اتبعوا المد الشيوعي الذي كان بدوره يؤمن مستقبله في منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا.
نحن العرب لا نجيد سوى الشعارات، و تأليف الاغاني الوطنية، و احسن شيء نبدع فيه هو البكاء على الاطلال، و تحريف التاريخ لجعل نكساتنا انتصارات حتى لا يقول الاحفاد ان اجدادهم قد هزموا، و هو ما سيقع بالضبط بعد مائتي عام من الان، حيث سيقرؤ الفلسطينيون في مقررات التاريخ ان المقاومة قد سحقت اسرائيل في طوفان الاقصى.
الواقع المر، هو ان حماس يجب ان توقف هاته الحرب، اولا لانها من بدأتها، و ثانيا لانها الطرف الاضعف، و الدليل هو عندما يتوجه قاداتها برسائل للعالم للتشكي من استهداف المدنيين، و تحميل اسرائيل المسؤولية فيما يقع بغزة، و كأن الحركة لم يكن لها يد فيما يقع.
إذا لم تقبل حماس بالحل السياسي، و طالما انها موالية لايران و متمسكة بحمل السلاح الذي سيأتي يوم سيصبح فيه عاجز عن قتل نملة، فالاوضاع ستستمر على نفس المنوال، و حتى وان انهت اسرائيل غاراتها على الفلسطينيين في غزة، ستعود لقتل الابرياء مرة اخرى، بعد تكرار نفس السيناريو، الذي كلما اشتاق فيه اليهود الى رائحة الدم، بكوا على الحائط داعين الله ان تقوم حماس بمهاجمتهم.