المحرر الرباط
هذه الارض الطاهرة لا تستحق الخيانة، و حتى ان خانها كل شخص لم يجد عملا ولا منزلا ولا لقمة عيش كريمة، فلن أخونها و مثلي الملايين ممن يعلمون قيمة الارض و رائحتها، و ممن رضع في حليب الام حب الانتماء لبلاد الشرفاء و الاغنياء و الفاسدين و المخلصين و حتى الخونة.
لن أخون وطني حتى و إن جار و ظلم و عاث و تكبر، و لن اطعنه حتى و أنا أعلم ان فيه من يفسد و يخون و ينهب و يسرق، لأن علاقتي بأرض أجدادي تتجاوز كل الحدود، و حبي لها نابع من الوجدان و قد تغلغل في قلبي و أنا صبي اسمع من والدي بطولات الاسلاف.
كيف سأخون ارضا حمل ابي السلاح للدفاع عنها، و من أين لي بالجرأة لاغضاب والدتي التي لا تعرف في الوطن سوى شعاره، ولا تقبل من الافكار سوى الاخلاص لله و للوطن و للملك، و حتى عندما قبلت اجراء مراجعات فكرية، فلم يتجاوز ذلك سقف اضافة اسم عبد اللطيف الحموشي لقائمة رموز الوطن و ابطاله.
استغرب كيف لشخص ان يعرب عن استعداده لخيانة الوطن، لانه لم يجد عملا، و كأن الوطن مسؤول عن البطالة المنتشرة، و اتساءل اذا كانت الامور تسير على هذا الشكل، لماذا لم يخن المغرب، من اعتقلوا تعسفا و سجنوا و تعذبوا في تازمامارت و قلعة مكونة؟
ماتعرض له عبد الرحمان اليوسفي من ظلم في هذا الوطن، لم يدفعه لخيانته، و ظل متمسكا بأمل تحقيق مستقبل افضل، ليرتمي في حضن الوطن من جديد، مباشرة بعد اكتشافه لأحلامه تتحقق، و بعدما أيقن أن جزءا من المطالب التي اعتقل و عذب لاجلها يتحقق.
من يقول أنه مستعد لخيانة وطنة لمجرد انه لم يجد عملا، لا يفكر في المستقبل، ولا امل له في حياة الاجيال القادمة، لانه قد بلغ اقصى ما يمكن للمواطن ان يصل اليه ساعة الغضب، و دخل في تبني مقولة “أنا و من بعدي الطوفان”، فلو منحوه حصته من الوطن شريطة عدم استفادة ابنائه لقبل دون تردد.
لا احد ينكر أن بلادنا تعاني من العديد من المشاكل المرتبطة بالفساد و الرشوة و السرقة، لكن هذا لا يحارب بين عشية و ضحاها، و من يحب وطنه فعلا، يداقع عن مستقبلها و يطالب بالاصلاح على امل ان يعيش الخلف في احوال احسن من احوالنا.
بلادنا قطعت مسافات في الاصلاح، و من لديه شك ما عليه الا أن ينقب في صفحات التاريخ، و يستفسر عن احوال المغاربة في الثمانينات و بدايات التسعينات، و المسافة لازالت طويلة و تحتاج لطاقة ايجابية، يزرعها المواطن المحب لبلاده و الغيور على ارض اجداده، بعيدا عن نشر الأفكار العدمية، و النظر الى النصف الفارغ من الكأس.
من يعتقد ان في خيانة الوطن سبيل للانتقام منه، على عدم ايجاد فرص شغل، او امتلاك منزل و سيارة، ندعوه الى أن يتذكر أن اجداده قد حملوا السلاح و ماتوا في ساحة المعركة ليوفروا له الاستقلال، و خيانة الوطن مصطلح كبير قد لا ينطبق الا على حالات قليلة قبلت التخابر مع المتربصين ببلادنا لتحقيق منافع شخصية.
لن أخون وطني لانني جزء منه، و اعتبر نفسي مسؤولا على مايقع فيه من فساد، لانني لم احسن اختيار من يدبر شؤوني، فوطني لا يتحمل ان اخونه فانخرط في حملات تشهير و ضرب في المؤسسات، فأساعد من يسرقون خيراته و من يدمر مستقبله.
لن أخون وطني لانني لا اتحمل عضب الوالدين، ولا استطيع ان اتخلى عن كل ماتحقق بفضل دماء المناضلين الوطنيين و معاناتهم، فهذا الوطن هو أنا، و أنا في هذا الوطن جزء بقوة القانون و الدستور، ولن يدفعني فساد شخص يتساوى معي في الحقوق و الواجبات الى التخلي عن حقي في وطني و ملكي و مؤسسات مغربي الحبيب.