المحرر الرباط
في واقعة غريبة تعكس حجم الارتباك والتناقض الذي يطبع الدعاية الجزائرية، شهد معرض للجيش الجزائري فضيحة مدوية بعد قيام السلطات العسكرية بعرض طائرة لعبة تباع على مواقع التسوق الإلكتروني، مثل “علي إكسبريس”، على أنها طائرة بدون طيار من “الصناعة الجزائرية”. هذا “الإنجاز الوهمي” الذي تم تقديمه على أنه دليل على التطور التكنولوجي العسكري الجزائري، سرعان ما تحول إلى مادة للسخرية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية، بعد كشف الحقيقة الصادمة حول مصدر الطائرة وتكلفتها الرمزية.
المعرض الذي أقيم وسط تسويق دعائي كبير من طرف النظام الجزائري، تم الترويج له باعتباره فرصة لاستعراض القدرات التكنولوجية المحلية للجيش الجزائري، وخصوصًا فيما يتعلق بتصنيع الطائرات بدون طيار. إلا أن المتابعين والخبراء العسكريين سرعان ما اكتشفوا أن الطائرة التي تم عرضها لا تعدو كونها لعبة أطفال تُباع على مواقع التسوق الإلكتروني الشهيرة بسعر لا يتجاوز 200 دولار. وبالبحث في موقع “علي إكسبريس”، تبين أن الطائرة المزعومة ليست سوى طراز بسيط من طائرات الهواة المخصصة للألعاب، والمتاحة للشراء لأي فرد حول العالم دون الحاجة لأي مهارة تقنية أو صناعية.
هذا “الاختراع المزعوم” الذي قدمه النظام الجزائري أمام العالم على أنه إنجاز عسكري محلي، عرّى واقع الصناعة العسكرية الجزائرية، وأظهر زيف الادعاءات التي ما فتئت تُرددها الآلة الدعائية الرسمية حول ما يُسمى “الاكتفاء الذاتي التكنولوجي”. بل إن هذه الواقعة كشفت، بشكل صارخ، مدى عجز النظام عن تقديم أي ابتكار حقيقي، ولجوئه إلى محاولات تضليلية فاشلة تهدف إلى خداع الرأي العام الداخلي وتصدير صورة زائفة إلى الخارج.
وتفاعلت وسائل الإعلام الدولية والمتابعون مع هذه الفضيحة، حيث تحولت الطائرة إلى موضوع للسخرية والانتقاد. وتساءل العديد من الخبراء: كيف يمكن لدولة تدعي امتلاكها قدرات عسكرية وصناعية أن تعجز عن التمييز بين طائرة لعبة وطائرة بدون طيار حقيقية؟ هذه الواقعة وضعت الجيش الجزائري في موقف محرج، وأكدت أن النظام يعتمد بشكل أساسي على الاستيراد في تسليحه، بينما يدّعي امتلاك صناعات عسكرية محلية لا وجود لها على أرض الواقع.
وتأتي هذه الفضيحة في سياق متكرر من محاولات النظام الجزائري تسويق “إنجازات وهمية” بهدف امتصاص غضب الشارع الداخلي الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة. فاللجوء إلى الترويج لإنجازات عسكرية مزعومة ليس جديدًا على النظام الجزائري، الذي يحاول، منذ سنوات، استغلال المؤسسة العسكرية كأداة لإضفاء مشروعية وهمية على حكمه، وتوجيه الأنظار بعيدًا عن فشله في تحقيق التنمية وتحسين أوضاع الشعب الجزائري.
من جهة أخرى، سلطت هذه الواقعة الضوء على غياب الشفافية والرقابة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، إذ كيف يُعقل أن يتم تمرير مثل هذا “الإنجاز الوهمي” في معرض رسمي دون أن يتم اكتشاف حقيقته مسبقًا؟ الأمر الذي يطرح تساؤلات كبرى حول الجدية والكفاءة داخل أجهزة الدولة.
إن فضيحة “طائرة اللعبة” ليست مجرد حادث عابر، بل تعكس أزمة أعمق يعيشها النظام الجزائري، الذي أصبح يعتمد على استعراضات فارغة لا تملك أي مصداقية. كما أنها تُظهر الفجوة الكبيرة بين الشعارات الدعائية التي يُروج لها وبين الواقع الميداني للصناعة العسكرية الجزائرية. فالجيش الجزائري، الذي ينفق مليارات الدولارات سنويًا على التسليح، يعتمد في معظم تجهيزاته على الاستيراد، بينما يتم تسويق منتجات استهلاكية بسيطة على أنها إنجازات محلية الصنع.
في الختام، تظل هذه الواقعة درسًا آخر حول خطورة الدعاية المضللة وغياب الواقعية، وتضع النظام الجزائري أمام مسؤولياته في مواجهة الحقائق. فبدلاً من الاستمرار في تقديم إنجازات وهمية تفتقر إلى أي مصداقية، ينبغي التركيز على تحقيق تنمية حقيقية تعود بالنفع على الشعب الجزائري، الذي يعاني في صمت من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية.