المحرر خاص
ما يحدث في الصويرة بخصوص صفقة تدبير النفايات ليس مجرد إخفاق إداري عابر، بل هو تجسيد حيّ للفوضى واللامبالاة التي تضرب جذور الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي. الصفقة التي بلغت قيمتها 50 مليون درهم لمدة سبع سنوات، كشفت عن خروقات بالجملة، تعكس انعدام الرقابة وضعف الالتزام بدفاتر التحملات، في ظل تواطؤ واضح للمجلس الجماعي وغض طرف متعمد عن مصالح المراقبة.
الشركة الفائزة بهذه الصفقة تعود ملكيتها لنجل مدير إحدى شركات الاتصال، وهو معطى يثير أكثر من علامة استفهام حول معايير المنافسة التي أفضت إلى هذا الاختيار. فمن غير المعقول أن تفوز شركة بهذا الحجم في تدبير قطاع حساس، دون أن تتوفر على مقر رسمي في المدينة أو ممثل قانوني يدافع عن حقوق العمال، في وقت يعاني فيه هؤلاء من غياب أبسط وسائل الحماية الشخصية وعدم احترام دورية التزويد بوسائل الوقاية. فكيف يمكن الحديث عن الالتزام بدفاتر التحملات إذا كان العمال، وهم أساس نجاح هذا القطاع، يشتغلون في ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة والسلامة؟
ومن بين أبرز الخروقات التي أثارت سخط الساكنة، عدم احترام العدد المخصص للحاويات وجودتها. النفايات تراكمت في الشوارع، والحاويات المتوفرة لا تتماشى مع المعايير المطلوبة، مما يطرح تساؤلات حول جدية الشركة في أداء دورها، وعن دور المجلس الجماعي الذي يبدو أنه فضّل غض الطرف عن هذه الإخفاقات بدل التصدي لها بصرامة.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه من الجهات المسؤولة المحلية مراقبة وتتبع التزامات الشركات المتعاقدة، فإن غياب الرقابة والتواطؤ الصامت يشير إلى أن المصالح الشخصية أصبحت تتقدم على الصالح العام. اللافت في هذه الصفقة أيضاً، هو أن الشركة التي تتعامل مع أخنوش أكثر من غيره، تُعامل وكأنها فوق المحاسبة، ما يعزز الشعور بأن هناك جهات نافذة تُحصن هذه الشركة وتمنعها من أي مساءلة، مهما بلغت خروقاتها.
الساكنة تتساءل اليوم عن الدور الحقيقي للمجلس الجماعي ومصالح المراقبة، التي يبدو أنها غابت تماماً من قاموس هذه الصفقة. هل نحن أمام عجز إداري أم تواطؤ متعمد؟ وأين هي أجهزة الدولة المسؤولة عن محاربة الفساد في مثل هذه الصفقات؟
إن صفقة تدبير النفايات بالصويرة تمثل درساً مؤلماً في كيف يمكن للفساد وسوء التدبير أن يهدرا المال العام على حساب مصلحة المواطن. فالشركة الفائزة فشلت في احترام أبسط الالتزامات، بينما المجلس الجماعي والمصالح المعنية فضلوا البقاء في موقف المتفرج. وما لم تتحرك الجهات الرقابية بسرعة لتصحيح الوضع ومحاسبة المتورطين، فإن هذا الملف لن يكون سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من التلاعب بمصالح المواطنين والاستهتار بحقوقهم.
الصويرة تستحق أفضل من هذا العبث. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: متى ستُصبح المصلحة العامة أولوية؟ ومتى ستتوقف مثل هذه الصفقات عن أن تكون مطية لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب حقوق الساكنة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة، لكن إلى ذلك الحين، سيظل هذا الملف وصمة عار في جبين تدبير الشأن المحلي بالصويرة.