سلطت مجلة “لوبوان” الفرنسية الضوء على التطور النوعي الذي حققه المغرب في مجال مكافحة الإرهاب محليًّا وإقليميًّا، حيث أصبح يُشَارُ إليه كنموذجٍ استباقي يعتمد على كفاءات استخباراتية وعملية ولوجستية متقدمة.
وأبرزت المجلة في تقرير لها الدور المحوري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تحت قيادة عبداللطيف حموشي، في صياغة آليات استباقية للتعامل مع التهديدات الأمنية.
واستحضرت المجلة الفرنسية تفكيك الأمن المغربي في الفترة الأخيرة للخلية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في منطقة الساحل الافريقي والتي كانت تُعد لتنفيذ اعتداءات خطيرة في المملكة، مؤكدة أن العملية لم تكن محض صدفة، بل كانت نتيجة عمل دقيق ومتقن على جميع المستويات وأظهرت يقظة أمنية وقدرة عالية على التعاطي الفوري وبدقة شديدة مع مخطط كان على وشك التنفيذ.
ورغم أن العملية الاستباقية النوعية التي نفذتها القوات الأمنية المختصة في مكافحة الإرهاب لم تكن الأولى، إلا أنها جعلت المغرب محل اهتمام الصحافة الدولية والمراكز التي تهتم بمتابعة أخبار الجماعات الإرهابية عموما والناشئة خصوصا في منطقة الساحل الافريقي، المنطقة التي أصبح واضحا أنها تتحول تدريجيا لحاضنة خصبة لتنظيمات تتبنى فكر داعش أو القاعدة وتتنافس على تأمين وتوسيع نفوذها خاصة بعد انحسار الدور الفرنسي والغربي العسكري في تلك المناطق.
وأشار التقرير إلى أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي أنشأته المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) تحت إشراف عبداللطيف حموشي، يلعب دورا رئيسيا في الوقاية من التهديدات الإرهابية وتفكيكها.
وبحسب لوبوان، فالمملكة الشريفة لا تقتصر على النهج الأمني في مواجهة التهديدات الإرهابية، فلقد جعلت بقيادة الملك محمد السادس، من مكافحة الإيديولوجية المتطرفة محورا استراتيجيا رئيسيا.
ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم إجراء إصلاح في المجال الديني بهدف تعزيز الإسلام المعتدل وتعزيز قيم التسامح. ومن ثم فإن إنشاء المجالس العلمية الإقليمية مكّن من ضمان الرقابة الدينية اللامركزية. وقد تم تحديد المجلس العلمي الأعلى باعتباره السلطة الوحيدة المختصة بإصدار الفتاوى، مما يضمن التماسك العقائدي ويحد من الانحرافات المتطرفة.
وعلى صعيد السجون، تم إنشاء برنامج إعادة تأهيل المصالحة في عام 2017 وهي مبادرة رائدة تهدف إلى تزويد السجناء الإسلاميين بفهم أفضل للنصوص الدينية من أجل تشجيعهم على نبذ الإيديولوجية المتطرفة والمصالحة مع أنفسهم ومع المجتمع. في 15 نسخة، دعم هذا البرنامج 331 مشاركا وقد انعكس تأثيرها الملموس في حصول 177 شخصا على العفو الملكي وتخفيف أحكام 39 شخصا آخرين، بينما لم يتم تسجيل أي حالة تكرار انخراط في التطرف أو تبني الفكر المتطرف حتى الآن، مما يدل على فعالية ونجاح هذه المبادرة.
وفي الوقت نفسه رسخت المملكة مكانتها كفاعل أساسي في مجال التعليم الديني في أفريقيا وخارجها وتم إبرام اتفاقيات ثنائية مع العديد من البلدان، بما في ذلك مالي وساحل العاج والسنغال وغينيا وتونس وتشاد وفرنسا. وهكذا، تم تكوين مئات الأئمة في المعاهد المغربية، بما في ذلك معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والخطباء الذي يدرب 150 إماما و50 داعية سنويا، مما يساهم في نشر الإسلام الوسطي في المناطق الأكثر عرضة لانتشار التطرف.