المحرر من سلا
في ظل الحديث المستمر عن النزاهة والشفافية في الإدارة العمومية، تبرز بين الفينة والأخرى ممارسات تعكس واقعًا مختلفًا عن الشعارات المرفوعة. واحدة من هذه الممارسات التي أثارت الجدل داخل الأوساط التربوية هي قضية منح سكن وظيفي متواجد بالثانوية الاعدادية العيون بمدينة سلا، لموظفة بالاكاديمية على حساب حارسة عامة تعمل بهاته المؤسسة، رغم أحقية الأخيرة به وفقًا للقوانين المعمول بها.
الحارسة العامة المعنية بالقضية تؤدي دورًا محوريًا داخل المؤسسة، حسب عدد من زملائها، حيث تشرف بمفردها على تأطير ما يقارب 1200 تلميذ، مما يجعل وجودها بالقرب من مقر عملها ضرورة مهنية وليست مجرد امتياز إداري. غير أن قرار الإدارة جاء ليُقصيها دون مبررات واضحة، ويمنح السكن لموظفة أخرى لا تتوفر لديها نفس الأولوية من حيث الحاجة وطبيعة العمل. هذا القرار أثار استياءً واسعًا، خاصة أنه يتعارض مع التشريعات التي تنظم توزيع السكن الوظيفي، والتي تنص على أولوية الحاجة والارتباط المباشر بالمهام الوظيفية.
مثل هذه القرارات لا تعكس فقط خرقًا للقوانين، بل تسلط الضوء على ظاهرة المحسوبية التي لا تزال تلقي بظلالها على بعض المؤسسات. عندما يتم تهميش موظفة تكرس جهدها لضمان السير الحسن للمؤسسة لصالح شخص آخر لأسباب غير واضحة، فإن ذلك يضرب في العمق مبادئ العدالة الإدارية، ويؤثر على معنويات العاملين الذين يفترض أن يجدوا في الإدارة دعمًا لإنجاز مهامهم، لا عائقًا أمام حقوقهم المشروعة.
هذه القضية تطرح تساؤلات مشروعة حول مدى التزام الإدارة بمبادئ الحوكمة الرشيدة، كما تسلط الضوء على مسؤولية وزارة التربية الوطنية في ضمان احترام القوانين داخل مؤسساتها. السيد الكاتب العام للوزارة يتحمل مسؤولية مباشرة في التدخل لتصحيح هذا الوضع، ليس فقط من أجل إنصاف الحارسة العامة المتضررة، ولكن أيضًا من أجل توجيه رسالة واضحة بأن مثل هذه التجاوزات لن يتم التساهل معها. إن عدم اتخاذ إجراءات حازمة في مثل هذه الحالات يعزز شعور الموظفين بعدم الأمان الوظيفي، ويفتح الباب أمام استمرار ممارسات تتناقض مع قيم الشفافية والمساواة.
الفساد الإداري لا يقتصر تأثيره على الأفراد الذين يتعرضون للظلم فحسب، بل يمتد ليؤثر على بيئة العمل برمتها، حيث يؤدي إلى فقدان الثقة في نزاهة القرارات الإدارية، ما ينعكس سلبًا على الأداء المهني للموظفين. علاوة على ذلك، فإن استمرار مثل هذه الممارسات داخل المؤسسات التربوية يُشكل خطرًا على المنظومة التعليمية، إذ كيف يمكن غرس قيم العدل والاستقامة في نفوس التلاميذ إذا كانوا يرون أن إدارتهم لا تلتزم بها؟
هذه القضية ليست استثناءً، بل تعكس تحديًا مستمرًا في مجال الإدارة العمومية، حيث لا يزال البعض يعتبر أن العلاقات الشخصية والتدخلات غير المشروعة يمكن أن تحل محل الاستحقاق والجدارة. المطلوب اليوم ليس فقط معالجة هذا الوضع بصفة فردية، بل العمل على إصلاح شامل يضمن تطبيق القوانين بصرامة، ويضع حدًا لمثل هذه التجاوزات التي تضر بمصداقية المؤسسات. إن بناء إدارة نزيهة وعادلة يتطلب قرارات جريئة وإرادة حقيقية لوضع حد لكل أشكال الفساد الإداري، حتى لا يظل الحديث عن الشفافية مجرد شعارات دون تطبيق فعلي على أرض الواقع.