المحرر من سلا
في شارع إدريس بن بوشعيب الحريزي بمدينة سلا، مشهد عبثي صار مألوفاً: مقاهٍ استباحت الملك العمومي علناً، وأربابها تمادوا في احتلال الأرصفة ليس فقط بوضع الكراسي والطاولات، بل بالبناء فوقها، في خرق صارخ للقانون وتحدٍّ فجّ لسلطة الدولة. المشهد لم يعد يثير الاستغراب بقدر ما يثير الغضب، أمام صمت مريب من طرف الجهات المفروض فيها فرض النظام، وعلى رأسها سلطات مقاطعة سعيد حجي.
المواطنون في المنطقة، الذين يطاردهم المقدمون لأبسط الأسباب كإدخال حفنة من الرمل إلى منزل، يتساءلون اليوم بمرارة: كيف يُسمح لأصحاب مقاهٍ بعينها بالبناء فوق الرصيف جهاراً، دون أن تتحرك السلطة قيد أنملة؟ من منحهم هذه الحصانة؟ ومن يحول دون تدخل أعوان السلطة لتحرير الشارع من هذا العبث الذي لا يليق بدولة قانون؟
الأدهى من ذلك، أن بعض هذه المقاهي لم تكتفِ باحتلال الأرصفة، بل شرعت في تحويلها إلى أملاك خاصة عبر ورشات بناء مقنّعة بستائر، لكنها مكشوفة للعيان. أمام أعين الجميع، تُرفع الجدران فوق الرصيف في خرق فاضح، وكأن الشارع أصبح ملكاً شخصياً، لا مكان فيه للمارة ولا احترام فيه لكرامة المواطنين، خاصة النساء اللواتي لم يعد بإمكانهن المرور دون أن تطاردهن نظرات رواد المقاهي التي ابتلعت الرصيف عن آخره.
ما يحدث اليوم في هذا الشارع هو وصمة عار على جبين المسؤولين. سؤال واحد يتردد على ألسنة المواطنين: هل يعلم عامل إقليم سلا بهذا الوضع؟ وإذا كان يعلم، فهل يرضى بأن تتحول مدينة سلا إلى غابة يأكل فيها القوي حق الضعيف، ويُختطف فيها الفضاء العام تحت غطاء الصمت والتواطؤ؟
إننا اليوم أمام لحظة تستدعي التدخل العاجل من طرف السلطة الإقليمية، ليس فقط لتحرير الشارع من قبضة أرباب مقاهٍ يعتبرون أنفسهم فوق القانون، بل أيضاً لإعادة الثقة للمواطن البسيط، الذي لم يعد يرى في السلطة سوى عيناً ترى من تشاء وتغض الطرف عمن تشاء.
الساكنة لم تعد تطالب فقط بتحرير الرصيف، بل بإعادة الاعتبار لهيبة الدولة، وإعادة الأمور إلى نصابها قبل أن تتعفن أكثر. السكوت عن هذا العبث جريمة في حق المدينة وساكنتها، ومن يحمي المعتدين على الملك العمومي شريك في هذه الجريمة، شاء أم أبى.