القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش: رؤية ملكية لمغرب مترابط واقتصاد تنافسي

المحرر الرباط

 

يشكل إطلاق مشروع خط القطار فائق السرعة الرابط بين القنيطرة ومراكش محطة مفصلية في مسار تحديث البنية التحتية للمغرب، وامتداداً طبيعياً للرؤية الملكية الرامية إلى تعزيز ربط المملكة بشبكة نقل عصرية وفعالة. المبادرة التي تندرج ضمن استراتيجية شمولية يقودها الملك محمد السادس، تؤكد مرة أخرى أن البنية التحتية ليست مجرد أداة لخدمة التنقل، بل ركيزة أساسية لدينامية اقتصادية مستدامة وتنافسية إقليمية متقدمة.

المشروع، الذي سيصل الخط فائق السرعة (LGV) بين شمال المملكة وجنوبها عبر الرباط، الدار البيضاء، ومراكش، يعكس انتقال المغرب من منطق البنيات التحتية التقليدية إلى منطق الممرات الاقتصادية المتكاملة. تقليص الزمن بين هذه الحواضر الكبرى لا يعني فقط تحسين شروط التنقل، بل خلق تكتلات اقتصادية أكثر تماسكا، وتحفيز سلاسل التوريد، وجعل المدن أكثر جذبا للاستثمار، خاصة في قطاعات السياحة، والخدمات، والصناعة.

من الناحية الاستراتيجية، يندرج هذا المشروع في إطار رؤية ملكية متكاملة، يعتبر فيها الملك محمد السادس أن تحديث البنية التحتية ليس غاية في حد ذاته، بل أداة لتحقيق العدالة المجالية، ورفع التفاوتات، وتوسيع قاعدة التنمية. وعلى امتداد السنوات الماضية، حرص العاهل المغربي على توجيه السياسات العمومية نحو الاستثمار في الموانئ، والمطارات، والطرق السيارة، وها هو اليوم يواصل هذا التوجه عبر تسريع وتيرة الربط السككي عالي السرعة، في خطوة تعزز تموقع المملكة كمنصة لوجستيكية رائدة على الصعيدين الإفريقي والمتوسطي.

الأثر الاقتصادي المرتقب لهذا الخط يتجاوز الأبعاد الظرفية، ليكرّس تحولا هيكليا في مفهوم التنقل والإنتاج. فالمقاولات ستستفيد من مرونة أكبر في حركة الأشخاص والبضائع، ما سينعكس إيجاباً على تكاليف اللوجستيك وجودة الخدمات. في المقابل، ستُمنح المدن المتصلة فرصاً غير مسبوقة لإعادة رسم أدوارها الاقتصادية، مع ما يرافق ذلك من خلق لفرص الشغل وتعزيز جاذبيتها الاستثمارية.

ويأتي هذا المشروع في وقت يتزايد فيه رهان الدول الصاعدة على التميز في البنية التحتية كوسيلة للتموقع الجيو-اقتصادي. ومن هذا المنطلق، لا يمكن فصل هذا الورش عن الرؤية الجيوستراتيجية للمغرب، الساعية إلى توطيد مكانته كجسر تنموي بين أوروبا وإفريقيا، وكفاعل محوري في إعادة رسم خرائط التبادل والتعاون جنوب-جنوب.

هكذا، لا يُنظر إلى خط القنيطرة–مراكش كخط سكة فحسب، بل كعنوان على تحوّل عميق في المقاربة المغربية للتنمية. تحوّل يقوده الملك محمد السادس بإرادة سياسية واضحة، ويترجم قناعة راسخة بأن الاستباق والاستثمار الذكي في البنية التحتية، هو ما يصنع الفارق في عالم سريع التحوّل، لا يعترف إلا بمن يستثمر اليوم في رهانات الغد.

أعجبتك هذه المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد