بقلم محمد خليفة
لا ريبة، أن خطبة الجمعة بمثابة مؤتمر أسبوعي، يحج له المسلمين طالبين من خلالها الأجر و الثواب من بارئهم … فيكون الخطيب راصدا لأحوال البلاد و العباد، متتبعا لآفات الأمة و خطوبها، معملا مبدأ الإهتمام بأمور المسلمين من جميع النواحي، سواء كانت أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية … فيكون لسان الحق المسلط على أهل الفساد، و من منا لا يتذكر نبرات الشيخ “عبد الحميد كشك” فارس المنابر ذو الصرخة المزعجة لكثير من عباد الكراسي و طغاة الأمم … ذاك الشيخ الضرير، الذي كان صرخة تنم بما يعتري المجتمعات الإسلامية، ذو “الميكروفون” الممتد بصداه عبر قارات العالم، الشيخ الذي عاش زاهدا و مات ساجدا … يبقى الشيخ كشك نموذجا للمتحدثين في ساحة لا يراد الكلام فيها، ألا و هي السياسة و نقد السلطة السياسية و تدبيرها … قول نحيل به إلى وزارتنا المكلفة “بالتوقيفات” و الشؤون الإسلامية، سيادتها في حرب دائمة مع المنابر متى أحالت عن مقدس من مقدسات لوبيات العري و تبذير المال، متى انتقدت شخصيات تحاول علمنة المجتمع و تنميط الخطاب الديني و تحجيم أهميته و ملاءمته مع ما تستهويه قرائح ناخري المال العام، كل ذلك تحت مسمى “هيكلة الشأن الديني”، أي هيكلة هاته التي تقوض خصوصياتها بتوقيف و إخراس من يعبر عن امتعاضه من ما تؤول إليه أوضاع البلاد و العباد … فما أشبه توقيف الشيخ محمد أبياط بتوقيف الدكتور رضوان بنشقرون، رئيس المجلس العلمي سابقا بعين الشق في مدينة الدار البيضاء، الذي أبعد عن المؤسسات و عن منبر رسول الله بعدما انتقد مهرجان موازين سنة 2010. طالبا بوقف تبذير المال العام في الترهات محيلا إلى كون الفن هو ما يرقى بالنفس البشرية مهذبا إياها … و ما أشبه توقيف الشيخ أبياط بإنزال الشيخ عبد الله النهاري من على المنبر، بعد رده على نزهة الصقلي النائبة البرلمانية حينها عن حزب التقدم و الإشتراكية، لما رمت باقتراحها لخفض صوت الأذان بقرب المنشآت السياحية سنة 2011، و كان قد خصص خطبته للحديث عن الإصلاح في المغرب، واعتبر أن لا إصلاح بدون مواجهة الفساد، كما تحدث عن أعداء الإصلاح مشيرا إلى الخروج عن مرجعية الأمة الإسلامية و اتخاذ مناهج علمانية …. إذن فلا شك بعد هذا أن تكافئ الصحف العلمانية الوزير المكلف بمداد العطف و خطوط التضامن انبراء للدفاع عن توقيفاته
فالسؤال يبقى هل خطيب الجمعة موظفا إداريا يبقى مقيدا بمذكرات أم أنه يبقى صاحب رسالة و أمينا على نصح الأمة و توجيهها برصد مشاكلها؟ و هل يمكن اعتبار أجرته بمثابة مقايضة له على مراوغة المشاكل الكبرى و الحقيقية للدولة و الأمة؟
إن القيم الديني عموما، هو كل شخص متعاقد مع الدولة الممثلة في السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف و الشؤون الاسلامية ،مكلفة إياهم بالإمامة أو الخطابة أو الإمامة و التأطير أو الإرشاد و الخطابة أو الأذان أو قراءة الحزب، و قد تضاف مهام مساعدة من قبيل الحراسة و النظافة و التفقد بل و يمكن للوزارة إضافة مهام أخرى لذلك… و يبقى القيم الديني خاضعا لرعاية أمير المؤمنين الراعي لشؤونهم و الضامن لحقوقهم
فإذا كانت التزامات القيم الديني محصورة في التقيد بالمذهب المالكي و العقيدة الأشعرية، و ثوابت الأمة و ما جرى به العمل بالمملكة، و مراعاة حرمة الاماكن المخصصة للشعائر الإسلامية، و القيام بالمهمة شخصيا و ارتداء الزي المغربي حينها، و احترام المواقيت و الضوابط الشرعية عند آدائها، مع عدم القيام بأي عمل يتنافى مع طبيعة المهام الموكولة له، حسب مقتضيات الظهير الشريف 1.14.104 الخاص بتنظيم المقيمين الدينيين و تحديد وضعياهم … فإننا لا نكاد نجد لها إشارة في تبريرات توقيفات السيد الوزير للقيمين الدينيين، سيما و أنها مجرد مبررات من قبيل تجاوز الحدود و المسموح به، و الخروج على الإجماع و ارتكاب أخطاء بالعمل، و عدم احترام ما في دليل الإمام و الخطيب، و مخالفة المذهب المالكي و كذا عدم احترام الخصوصيات المغربية …
بهذا يكون السيد الوزير ضاربا حديث:(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم,ومن لم يصبح ويمسى ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم) عرض الحائط … ليدفعنا ذلك إلى التساؤل عن ماهية الرسالة التي يريد المجلس العلمي الأعلى تمريرها من صمته هذا؟ و هل يمكن اعتبار خطبة الجمعة وظيفة أم هي تأدية أمانة؟ و هل هو تجهيز لفصل المنبر عن واقع الأمة؟