المشاورات الحكومية… الخلطة العثمانية

المحرر

الرئيس المكلف رفع منسوب الانفتاح على الأحزاب وحفظ مقدار الخطوط الحمراء.

لم تتأخر الأحزاب في الإقبال على أولى جولات سعد الدين العثماني، الرئيس المكلف خلفا لعبد الإله بنكيران، علها تجد في خلطته دواء ينهي وباء “بلوكاج” غيب الحكومة لأكثر من خمسة أشهر، فاتحة الباب أمام “بيجيدي” للظفر بالفرصة الأخيرة للحكم، خاصة في ظل تخوف  قادته من فقدان قيادة الحكومة، في حال لم يتوفق “الحكيم” في فك العقدة التي تقف في وجه مسار بناء الأغلبية ورسم هندسة الحكومة وتوزيع الحقائب، والاتفاق على حد أدنى من برنامج يعرضه على البرلمان لنيل الثقة.

العدالة والتنمية على محك الفرصة الأخيرة

تجنب الدخول في مواجهة مع المؤسسات الدستورية وإزالة العوائق التي أسقطت بنكيران

بدا تخوف قادة “بيجيدي” من فقدان مقود الحكومة جليا، إذ فهمت من بلاغ الديوان الملكي، الذي أعفى بنكيران وجود خيارات أخرى يتيحها الدستور لتشكيل الحكومة انطلاقا من الفصل 42، الذي يمنح للملك صلاحية ضمان استمرار المؤسسات الدستورية التي توجد في عطالة منذ 5 أشهر، وبالتالي فإن أي فشل يتعرض له العثماني، خليفة بنكيران، سينجم عنه سحب الثقة من العدالة والتنمية، بصفة نهائية، والتوقف عن تطبيق الفصل 47، لأنه لا يمكن رهن البلاد بسبب فشل رئيس الحكومة أو حتى إفشاله من قبل خصومه، لأنه أمر يهمه هو بالدرجة الأولى.

واعتبر قادة “المصباح” أن الحل هو عدم الدخول في أي مواجهة سياسية مع المؤسسات الدستورية، عبر إعلان الانتقال إلى المعارضة، لذلك حرص شيوخ الحزب على أن يمر اجتماع المجلس الوطني للحزب في دورته الاستثنائية، بالمعمورة بسلا بطريقة هادئة تتميز بتقديم الدعم للمعين العثماني، وإزالة العوائق التي حالت دون تشكيل حكومة بنكيران، لذلك تضمنت بلاغاتهم كلمات الإطراء والمجاملة، والتعاون لما فيه خير البلاد، وتكرر المشهد في عقد أول لقاء للمشاورات بين العثماني وأعضاء أمانته العامة.

وحسب مجريات أولى المشاورات التي أعقبت تعيين العثماني، رئيس الحكومة المكلف، لم تختف الأمانة العامة للحزب، إذ رافق العثماني صقور “بيجيدي” على رأسهم المصطفى الرميد، ومحمد يتيم، ولحسن الداودي، وغاب بنكيران الذي ظل يتوصل بتقارير الاجتماعات بالتفاصيل المملة، فيما طلب من مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، بتحديد جدولة زمنية للاستقبالات، وانتهى إلى مغادرة مقر الحزب، حتى لا يسأل عن الصفة التي خولت له الحديث باسم الطبيب النفسي العثماني الذي فضل عدم التصريح بأي خطاب للصحافة، حتى لا يرتكب أخطاء كما سلفه بنكيران، الذي كان يسقط في التناقض بسبب كثرة خرجاته الحزبية، التي لم تتوقف، إذ لم يكن حريصا على تطبيق علم التواصل بتحضير رؤوس أقلام مداخلاته وانتقاء الرسائل السياسية التي يود توزيعها دون إحداث جرح وندوب جراء نعت الخصوم بكلمات قدحية، أو التدخل في صلاحيات باقي المؤسسات الدستورية.

وسهلت الأحزاب مأمورية الرئيس الجديد، خاصة الغريم الأصالة والمعاصرة الذي تجنب إثارة زوبعة سياسية، وتبعثر أوراق العثماني، الذي لم يستفق بعد من دهشة التعيين، ليؤكد له أن “الجرار” يمد يده للمشاركة في الحكومة، ويعيد عقارب الساعة إلى نقطة الصفر.

واكتفى إلياس العماري بإحراج خفيف لقادة “بيجيدي” فقط، وتفادي الإثارة الفجة، بالتأكيد أنهم تناولوا جميعا كؤوس الشاي، وتبادلوا الرأي في قضايا عامة، بعيدا عن موضوع تشكيل الحكومة، الذي يعد هو الموضوع الرئيسي في اللقاء.

وكمن ترك الموضوع جانبا، بدا أن العثماني ورفاقه في الأمانة العامة، كانوا فقط في مرحلة جس النبض، لأنهم واعون أنهم سيخوضون مباراة صعبة جدا لتشكيل حكومة قوية ومنسجة، إذ رد العماري الود بالمصافحة وسط صقور”بيجيدي”، وأحرج العثماني حينما التمس منه التعبير عن رأيه بكل وضوح” هل تريدون الأصالة والمعاصرة في الحكومة، نعم أم لا؟، وعوض تلقي الجواب، ساد صمت القبور، وحينما طرح الصحافيون أسئلة منح العماري ” المايكروفون” للعثماني الذي رفض مسكه حتى، وهمس في أذن العماري” لا نريد اتخاذ القرار الآن”، إذ أن العثماني لم يلتمس من أي حزب المشاركة في الحكومة، ولم يقدم أي واحد من الأحزاب عرضا.

أخنوش وساجد يستعجلان الغاية

لم يكترث عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، رفقة محمد ساجد، رئيس الاتحاد الدستوري، كثيرا لمرافقي العثماني الرميد ويتيم والداودي، إذ أكدا أنهما ساعيان لتشكيل الحكومة وتسهيل مأمورية العثماني، وطي صفحة بنكيران، التي استفاد منها الجميع وكانت عبرة لأنها لم تفض إلى أي نتيجة تذكر.

واعتبر أخنوش، أنه متفائل بتشكيل الحكومة تحت رئاسة العثماني، القيادي في العدالة والتنمية، ورفقة ساجد، على اعتبار أنهما معا شكلا فريقا برلمانيا موحدا في مجلسي البرلمان،  لذلك فإنهما حضرا لأولى المشاورات تسهيلا لمأمورية الرئيس الجديد المكلف بتشكيل الحكومة، إذ تفادى أخنوش الحديث عن الاتحاد الاشتراكي، الذي شكل معه تحالفا رباعيا رفقة الحركة الشعبية وا لدستوري، مضيفا أنه حضر بمعية ساجد فقط.

وقال أخنوش” إننا وضعنا الثقة  في رئيس الحكومة المكلف العثماني ونثق فيه  ونترك له الوقت الكافي لتشكيل الأغلبية، وهو من سيقدم العرض الذي سندرسه قريبا”، مؤكدا أن العثماني كشف لهما خلال الجلسة التشاورية عن رؤية العدالة والتنمية المستقبلية لتشكيل الحكومة، مضيفا: “نحن سنتعاون مع العثماني لأجل تشكيل حكومة قوية ومنسجمة كما يرغب فيها الجميع وبالطريقة التي يراها مناسبة”.

 وأكد الداودي أن قيادة الحزب ورئيسها المكلف انفتحوا على جميع الأحزاب، وقرروا أن تجرى المشاورات بعيدا عن الرؤية السابقة المرتكزة على تشكيل تكتلات حزبية، مؤكدا أن قيادة الحزب ستواصل استقبال قادة الأحزاب كل على حدة، سعيا منها في توضيح الأمور وإبعاد الخلط الذي كان سائدا.

بنعبد الله يحفظ العهد

لم يغير التقدم والاشتراكية من توجهه السياسي سواء مع بنكيران، أو خلفه العثماني، لذلك ظل على عهده ومع العدالة والتنمية،  وقال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام إن “اللقاء كان وديا صريحا يميز العلاقات الجيدة التي تجمع الحزبين”، مضيفا أن “حزبه تطرق إلى العلاقة الإستراتيجية القائمة مع العدالة والتنمية، ما قبل انتخابات السابع من أكتوبر الماضي، والتي تواصلت لأجل تشكيل الحكومة التي ترأسها عبد الإله بنكيران، وستستمر في هذه التجربة إذا توفرت الشروط لذلك مع العثماني”.

وأكد بنعبد الله أن رئيس الحكومة المعين سيجد في صفوف “التقدم والاشتراكية المساعدة المطلقة سواء تعلق الأمر في شروط تشكيل الحكومة، أو ما بعدها، إذ سيقدم لهم  الدعم المطلق وفق برنامج يواصل الدمقراطة والتنمية في بلادنا”.

لشكر يرفض الوصاية

أعلن إدريس لشكر، الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي، موت التحالف الرباعي في مهده، و الذي دافع عن مشاركة حزبه الحلقة الضعيفة في هذا التكتل الحزبي، بحكم قوة التجمع الوطني للأحرار الذي قاده، إذ غير لشكر موقفه بعد تنحية بنكيران وتعويض العثماني، ونسيان مطالبه السابقة، التي كان بنكيران يرفضها ويعتبرها اشتراطات و” لي ذراع” ومسا بمؤسسة الحكومة، لأن من يريد أن يشارك يدخل من باب رئيس الحكومة، وليس عبر متن تحالف رباعي.

لكن لشكر المنتفض، رأى أن تنحية بنكيران، الذي تبادل معه الشتائم والتهجمات،  قراركاف، لذلك لم يعد بحاجة إلى سند حزبي،  وقال بهذا الخصوص  “لا أقبل أن تنوب  أي جهة عن حزبنا في هذا الأمر” والاتحاديون هم من يقرروا ولم يفوضوا لأحد أن يتكلم باسمهم، مضيفا: “لن نقبل أن ينوب عنا أي طرف كيفما كان، أو أن يتفاوض أحد باسمنا”، مضيفا أن “قرار المشاركة في الحكومة ليس فرديا لقيادة الحزب ولكنه قرار المؤسسة الحزبية، اللجنة الإدارية للحزب” وهي الوحيدة المخول لها تغيير المواقف.

 واعتبر لشكر أنها مشاورات أولية لرئيس الحكومة المكلف العثماني، رفقة أعضاء الأمانة العامة لحزبه، والتي كانت في جو واضح وأخوي، على حد تعبيره، متعمدا الإشارة إلى صقور “المصباح” الذين لديه معهم سنوات من العمل السياسي خاصة الرميد، زميله في مهنة المحاماة، إذ يعرفا بعضهما البعض عبر تنويع المواقف السياسية وتليينها إذا اقتضت الضرورة ذلك، بل تبادل والداودي أيضا المواقف في البرلمان بطريقة أو أخرى، عبر الاعتراض مرة والتسامح مرات عدة.

وحضر رفقة لشكر، القياديان عبد الكريم بنعتيق، و يونس مجاهد، الناطق الرسمي باسم الحزب، ربما إيذانا بإعلان أحقيتهما في الاستوزار.

شباط يطلب الود

أعلن حزب الاستقلال، تشبثه بالمشاركة في حكومة العثماني، الذي عينه أخيرا من قبل الملك محمد السادس، مشيرا إلى أن موقفه المعبر عنه منذ أكتوبر الماضي أثناء المفاوضات التي قادها بنكيران هو الموقف ذاته مع رئيس الحكومة المكلف الجديد. وغاب حميد شباط، الأمين العام، جراء العواصف التي زلزلت حزبه انطلاقا من تصريحاته حول موريتانيا، وفي الفضائيات الأجنبية، ومثوله أمام المحققين الأمنيين حول تصريحاته ومقالة نشرها موقع حزبه ” أنفو الاستقلال” حول تهديدات بقتل سياسيين.

وحضرت بدلا من شباط، القيادة الثلاثية التي فوض لها المجلس الوطني صلاحية المشاركة في المشاورات مع رئيس الحكومة المكلف، وهم محمد السوسي، وحمدي ولد الرشيد، وبنعمرو تغوان. ولم يقدم لهم العثماني أي عرض للمشاركة في الحكومة، واكتفوا بتبادل كلمات المجاملة والإطراء، ومناقشة مستجدات الساحة السياسية جراء إعفاء بنكيران، بيد أنهم  نقلوا إلى العثماني، موقف المجلس الوطني في دورته الاستثنائية، الرامي إلى المشاركة في الحكومة  بدون اشتراطات مسبقة، فقط احترام وزن الحزب وثقله السياسي، ورتبته الانتخابية محتلا الصف الثالث بـ60 مقعدا.

ونفى السوسي وجود أي تأثير سلبي على الأوضاع الداخلية لحزبه على المشاركة في الحكومة من عدمها، مشيرا إلى أن القرار اتخذ منذ أكتوبر 2016،  إذ عبر عن رغبته في أن يكون ضمن الأغلبية الحكومية مهما كانت الظروف، بل شدد على أن الاستقلاليين مساندون لحكومة يقودها العدالة والتنمية، سواء شاركوا فيها أم لا.

 وتشبث الاستقلاليون بأحقيتهم في المشاركة في الحكومة، سواء اعترض عليهم الآخرون أم غضوا الطرف، معتبرين أن حادث موريتانيا أصبح وراء ظهرهم، وبالتالي فإن مبدأ المساندة النقدية يعد مقترحا ثانيا إذا لم يحالفهم الحظ في المشاركة بحقائب وزارية، وذلك تطبيقا لمقررات اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني للحزب.

ومارس الاستقلاليون النقد الذاتي بعد مغادرته الحكومة منتصف ولايتها في 2013، والذي اعتبر خطأ نجمت عنه مشاكل كثيرة أدى فاتورتها شباب ونساء الحزب التواقون إلى الاستفادة من الحكومة، عبرالتعيين في المناصب العليا في المؤسسات العمومية والمجالس الوطنية، التي أضحت تغري جميع الأحزاب بدون استثناء.

العنصر يرفع الراية

 وضع امحند العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، كل أسلحته التي أخرجها دفعة واحدة ضد بنكيران، كمن أطفأ نار غضبه، حينما تم رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي، علما أن العنصر سير شؤون أم الوزارات، الداخلية، والتعمير وإعداد التراب الوطني، فالشباب والرياضة، ثم رئيس جهة فاس بولمان، في ظرف خمس سنوات، وهو رقم قياسي في تولي المناصب الحساسة، إذ واصل انتقاده القوي ضد بنكيران إلى أن تمت تنحيته وتعويضه بالعثماني الذي توسم فيه خيرا

ورمى العنصر وراء ظهره التحالف الرباعي، ودفاعه المستميت على أهمية مشاركة الاتحاد الاشتراكي وقال بهذا الخصوص “عبرنا لرئيس الحكومة العثماني كوفد ممثل للحركة الشعبية عن رغبتنا في تقديم المساعدة له لينجح في المهمة التي كلفه بها جلالة الملك”، مضيفا أن “الحديث كان متمحورا حول الطرق التي يمكن بها إخراج الحكومة بالسرعة اللازمة”.

وأكد العنصر في لقائه بالعثماني و بقيادة ” بيجيدي”، و الذي كان مرفوقا بصديقه سعيد أمسكان، ومحمد أوزين، الناطق الرسمي باسم “السنبلة”، أن “رئيس الحكومة المعين له من المؤهلات ما سيمكنه من النجاح في مهمته”، مضيفا: “في اللقاء الأول جئنا من أجل تقديم التهاني لرئيس الحكومة، ولنعبر له عن امتنان للثقة التي حصل عليها من قبل جلالة الملك”.

(الصباح)

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد