المحرر ـ متابعة
كان يوم إعلان نتائج الباكالوريا استثنائيا جدا بالنسبة لكل التلاميذ الذين اجتازوا الامتحان، لكنه كان يوم حاسم للتلميذة ميمونة بجات، التي جعلتها هذه الشهادة تشعر بالفرحة الأولى، بعد سنوات من المعانات والانكسارات. إذ انتزعت ميمونة شهادة الباكالوريا في شبعة الآداب العصرية في الدورة العادية لهذه السنة بثانوية طارق التأهيلية بخنيفرة.
توقف جسد ميمونة بجات، 22 سنة، عن النمو في سن صغيرة، لكن طموحها لم يتوقف أبدا عن النمو، فظل يكبر كلما اشتدت ظروف حياتها قساوة. معاناة ميمونة تستشتد في سنواتها الأولى، حيث انفصل والديها عن بعضهما البعض، لتضطر بعد ذلك إلى الانتقال للعيش رفقة جدتها.
ووفق ميمونة، فقد كانت هذه المنعرجات التي عرفتها حياتها بالإضافة إلى وضعها الصحي من الأسباب التي جعلتها تتأخر في التمدرس، حيث لم تلج المدرسة إلا حين بلغت سن العاشرة.
ميمونة تحكي لموقع القناة الثانية أنها وجدت صعوبة في فرض نفسها داخل القسم بين زملائها. ”لم يتقبل زملائي في القسم فكرة أن يكون في وسطهم طفلة في وضعية إعاقة، حيث شربت جرعات الألم وسخرية وتهكم الأطفال الآخرين الأسوياء من شكلي خلال أربع سنوات الأولى بالابتدائي”.
ميمونة كانت تسترجع شريط حياتها لموقع القناة الثانية بنبرة من الافتخار والاعتزاز، خصوصا حينما تحدثت عن مسارها التعليمي وتفوقها على العراقيل التي رافقتها طيلة سنواتها الدراسي. لكن فجأة، أطلقت تنهيدة طويلة ثم صمتت لثوان قبل أن تستأنف حديثها، قائلة: “إن أمي عملت على حسن تربيتي ومرافقتي بالدعم المعنوي والتشجيع الدائم، بعدما عانيت التفكك الأسري لحظة أقبلت على الحياة”.
أم ميمونة تزوجت برجل آخر بعد طلاقها، لكنها ظلت ترعى ابنتها ميمونة كلما سنحت لها الفرصة. ”والدتي كانت تحملني على ظهرها لمسافة حوالي كيلومترين كي توصلني إلى المدرسة الابتدائية الفرعية الصبان، التابعة لمجموعة مدارس تاجموت بإقليم خنيفرة حيث تابعت دراستي الابتدائية وحصلت على شهادة الدروس الابتدائية،” تروي ميمونة.
من أكثر لحظات العجز التي كانت أشعر بها هي حين كنت أحتاج دائما لشخص كي أتكأ عليه من أجل المشي، لم أكن أستطيع المشي إلا بمساعدة الآخرين، تقول ميمونة، مضيفة: ”ولم يكن هناك أي شخص يساعدني على الحكرة غير أمي، لكنني اضطررت الابتعاد عنها بعد انتقالي إلى المدرسة الإعدادية.”
وفي ظل تخوفها الكبير من المستقبل المجهول بعد ترك والدتها ورائها، فاجأها والدها، الذي هجرها لسنوات، وطلب منها أن يسمح لها بالتكفل بها. قضت ميمونة ثلاث سنوات مع والدها وزوجته وأبنائه، ختمتها بحصولها على شهادة الدروس الإعدادية من إعدادية آيت إسحاق.
“طيلة هاته المدة كنت أعاني من وعكات صحية في فترات متفاوتة، حيث تخر قواي ويشتد ضعفي وتراودني نوبات في التخلي عن حلم الدراسة،” تحكي ميمونة، مضيفة أنها رغم كل هذا قاومت ولم تستسلم.
وأضافت ذات المتحدثة، أنه “بعد اجتيازي لتسع سنوات من الدراسة من الابتدائي وصولا إلى الاعدادي بنجاح دون أن أرسب في أي سنة، تقوى إصراري وعزيمتي في المضي إلى الأمام”، مؤكدة، في نفس التصريح، أن تشجيع وحب أساتذتها ظل يرافقها، حيث قدمت لها منحة لدعمها بمواصلة دراستها، كما تم منحها عكاز باليدين لمساعدتها على الوقوف بعض الشيء.
واستمرت ابنة الأطلس في حديثها المسترسل، أنه “تم تنقيلها إلى مدينة خنيفرة بعد أن تخلى عنها والدها” على حد تعبيرها، موضحة في الوقت ذاته، أن هذا الأمر دفع بها إلى الالتحاق بدار الفتاة التابعة لثانوية طارق بمساعدة الأم وزوجها وبعض الأشخاص المتعاطفين معها من أساتذة ومديرين وأطر من المديرية، لتصبح قريبة من المؤسسة التعليمية”.
وأكدت ميمونة، أن إعاقتها التي يعتبرها البعض نقصا كانت حافزا لها في مواصلة مشوارها، كما منحها ذلك قوة لشخصيتها. وعن مسارها الجامعي أو المجال الذي تود أن تسلكه في مستقبلها التكوني، أجابت ميمونة بكل عفوية عن سؤالنا، قائلة: لدي رغبة جامحة وأطمح أن ألج مدرجات الجامعة المغربية تخصص علم النفس.
من جهته، أثنى سيف عبد الحق، مدير ثانوية طارق التأهيلية بخنيفرة، على خصال ميمونة وأخلاقها الحميدة، ونوه بطموحها العالي وتحدي وضعها الصحي، معربا في شهادته لموقع القناة الثانية، أن التلميذة ميمونة، فرضت وجودها بالمؤسسة التعليمية وجعلت الجميع يقدر طيبوبتها ونفسها الطويل نحو الاجتهاد والمثابرة.
وأضاف مدير الثانوية، أنه خلال حفل تسليم شواهد الباكالوريا على التلاميذ الناجحين بالثانوية، ستكون هي الأولى من ستتسلم شهادتها اعترافا بعملها الجاد، مبرزا، أن مؤسسته التعليمية تفتخر بها، لأنها هي أول تلميذة في وضعيتها تصل إلى الباكالوريا على صعيد الإقليم.
أما محمد نوري، رئيس مصلحة الشؤون التربوية، أكد أن التلميذة ميمونة طموحة مكافحة لظروفها الاجتماعية والصحية، مضيفا في تصريح لموقع القناة الثانية، “تعرفت عليها منذ أن كانت في مرحلة الابتدائي تطورت شخصيتها وعزيمتها خلال هذه السنوات”.
وشدد نوري في ذات التصريح، أن ميمونة اجتماعية بطبعها نجحت في نسج علاقات مع أطر المدرسة، ولدعمها تربويا وفرت لها منحة مدرسية خاصة، كما أشار إلى أن، المديرية الإقليمية للتعليم بخنيفرة، ستقدم لها جائزة رمزية في حفل التفوق، المزمع تنظيمه في هذه الايام، تشجيعا لمثابرتها وتحفيزا على مجهودها وتفوقها على إعاقتها الجسدية ونظرة المجتمع لها، يقول ذات المتحدث.