المحرر ـ محمد الوزاني
من يجهل حقائق ما يقع اليوم في الريف يظن أننا أمام وضع كارثي كما حاولت الجهات التحريضية أن تمرره إلى الرأي العام، كأن لا شيء ينجز داخل الريف هذه الأيام وكأنّ لا شيء إيجابي إلى حدّ العدم، مما يؤكد أنّ شعار العدمية كان دائما هو الموجة التي ركبتها هذه الجهات منذ الوهلة الأخرى. وللعلم فإنّ لهذه الجهات أيضا جمعياتها التي تحاول أن تتغلغل في المجتمع المدني ليس لتأطيره بل لتحريضه وزعزعة استقراره كما لها صحافتها التي تروج لخطاب اليأس والفوضى كما لهم ممولين. وهؤلاء تجدهم يخرجون من جحورهم عند كل أزمة تقع في المغرب، و كما حاولوا في 20 فبراير أن يركبوا موجة الاحتجاجات فهم اليوم يحاولون أن يعيدوا نفس السيناريوهات.
لقد أنجزت مشاريع كثيرة في الحسيمة وبعض المشاريع الأخرى عرفت تأخرا وعوائق لا زالت محلّ نقاش الجهات المنتخبة من قبل ساكنة الريف أنفسهم، وهي نفس الوضعية التي تشكوا منها مشاريع أخرى في مناطق مختلفة من المغرب. وإذا كانت وظيفة الحراك المشروعة انتهت مع لفت الانتباه إلى مطالب الساكنة وبداية التحركات والمبادرات لتسوية الوضعية، فماذا يعني الإصرار على التحريض من قبل هذه الجهات؟
لقد جاءت الاستجابة لمطالب ساكنة الريف من دون الحاجة إلى مفاوضات لأنّ مشاريع كثيرة استأنفت عملها وهي في مراحل متقدمة من الإنجاز كما هو الأمر بالنسبة إلى بعض الطرقات ومشاريع منارة الحسيمة وتأهيل مركز علاج السرطان. وقد تمت هذه الاستجابة فورا وبصورة عملية لأنّ كل ما يتعلق بالمواطنين من مطالب هو محقّ ويجب العمل والتعاون على إنجازه. فالمغرب يعالج مشاكله في صمت ويأتي الرد على المطالب بالعمل الميداني. وفي هذه الأثناء هناك من يقوم بالتشويش على ما يجري اليوم من أوراش، كمن يشتكي عدم توفره على بيت وحينما تبدأ في بناء البيت يرميك بالحجارة. هذه الأوراش تتطلب ظرفا زمنيا مناسبا لإنجازها وساكنة الريف وحدها تستطيع أن ترى ما ينجز اليوم على الأرض وأين تسير الأمور و كيف تم العمل الجاد على تدارك كل الأخطاء السابقة والعوائق المطروحة، بينما الجهات التي تعتبر الاستقرار غير مربح لها تحاول أن تشوش على هذه الانجازات و لا تجد أمامها من طريقة إلاّ بتصعيد خطاب العدمية والجحود بأي إنجاز يتحقق.
إن المواطن البسيط لا يعلم أنّ الجهات التحريضية بجمعياتها وصحافتها الخاصة بها ومموليها تربح من وراء الفوضى الملايين، وهي مرتبطة بشبكات التحريض واختلاق البلبلة، أكثر هؤلاء تحولوا بين عشية وضحاها إلى أثرياء وبعضهم دخل نادي المليارديرية من خلال صناعة الكذب. فالموضوع له صلة بمنظومة متكاملة تشبه المافيا في أساليب افتعال الفوضى في المجتمع ليخلوا لها الميدان. ولن تجد من بين هؤلاء الذين يستثمرون في الأزمات من فتح له نشاطا خيريّا واجتماعيا على الجماهير التي يبكي عليها مثل التماسيح. فالقضية اليوم ليست في وجود عفاريت وتماسيح بنكيران ولكن في العفاريت التي تصنع الأخبار الباطلة والتماسيح التي تذرف دموعا كاذبة على المواطنين الذين لا تقدم لهم إلاّ التحريض والفوضى والعدمية. هؤلاء يحتقرون الشعب لأنّ أول ما يفكرون فيه هو الإلتحاق بحياة الأثرياء و لا يعيرون للمجتمع أي قيمة إلا أن يكون سوقا لتصريف الأكاذيب واستغلال معاناة الناس.
ليس الحراك هو المشكلة مادام أنه حسّس بضرورة استدراك التأخر الذي عرفته تلك الأوراش التي سبق وانطلقت منذ سنوات، ولكن المشكلة هي في التحريض الذي فقد كل مصداقية لأنّ الذي يحصل الآن أنّ الضبط الأمني يسير بالموازاة مع انطلاق المشاريع لكن هذه الجهات العدمية تضخم من الضبط الأمني لأجل اختزال الموقف في المقاربة الأمنية لا سيما حينما تعمل في نفس الوقت على إخفاء ما يحدث من أعمال لاستكمال الأوراش المفتوحة. لا شك أنّ هذا التحريض ليس بريئا، لأنّ لا بد من تفسير لانحيازه ورغبته في تسويق الصورة الكارثية. فالأمر لا يتعلق هنا بموقف كيدي بل في وظيفة تؤدّيها جهات تستثمر في أزمات الناس وتخشى من الاستقرار خصوصا لما تصبح الاستجابة للمطالب عمليّة وينتفي موضوع الحوار حولها أصلا لأنها تنفذ في الميدان وتتحرك القطاعات المعنية نحو استدراك الأخطاء، وهذا هو المطلوب في كل البلدان الديمقراطية.
تظهر الحاجة إلى فضح هذه الميليشيات لأنها تخدم الجهة التي ترتبط بها تموينا وأفكارا، وتصبح طرفا في الأزمة أي خصما مباشرا ليس بغرض خدمة الناس ولكن بغرض تصفية حسابات مزمنة مع أطراف معينة وكذلك لحسابات شخصية تتعلق بالاسترزاق على حساب استقرار المجتمع. وحيث أنّ الأمر يتعلق بمافية تحاول أن تزعزع استقرار البلاد فإنه من الطبيعي أن تنشئ لها دولة داخل الدولة فتكون لها صحافتها وجمعياتها وتجارها، ولأنها لا تملك مشروعية الدولة فهي تركب مطالب الناس وتحاول أن تظهر وكأنّ دولتها الخفية هي التي تدافع عن المواطنين بينما تصور الدولة الشرعية بأنها عدو للشعب، إلى درجة تخفي فيها كل منجزات الدولة في ضبط الاستقرار وفتح أوراش التنمية مثل الأوراش المفتوحة اليوم بالحسيمة واستئناف العمل فيها، وقريبا ستنكشف أمام الرأي العام حقيقة اللّعبة وحقيقة الجهات التحريضية.