قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها اليوم الثلاثاء، إنه باعتقال الصحافي إحسان القاضي، مدير ومؤسس “راديو إم”، في 24 ديسمبر المنصرم، حيث تمت مداهمة مكاتب مؤسسته وإغلاقها؛ لم تستطع السلطات في الجزائر العاصمة تجاهل الصدمة التي قد تسببها هذه المداهمة في الداخل كما في الخارج.
وأضافت الصحيفة أن إحسان القاضي، شخصية رمزية للصحافة الجزائرية المستقلة. برز خلال الحراك الشعبي في عام 2019، ولم يخفه تشديد الخناق القمعي لصالح إجراءات التقييد الصحي لمكافحة كوفيد في عام 2020.
واعتبرت الصحيفة أنه لا يبدو أن النظام الجزائري يكترث كثيرا بالأثر الكارثي على صورته. والإعجاب الذي ألهم مشهد حشود الحراك المسالمة والمبهجة والتي جددت بشكل جذري النظرة التي حملتها الجزائر، لم يعد أكثر من ذكرى مكسورة، فباتت هناك حالة من الاندهاش حيال الاندفاع القمعي المتهور لنظام ينتقم بالكامل بعد خوفه على بقائه.
وأضافت الصحيفة بالقول إن “الهجوم على المقر الإعلامي للسيد القاضي ليس سوى الحلقة الأخيرة من حملة تفكيك منهجية استهدفت لمدة عامين، مواقدَ الحراك المتبقية. وأجبر العديد من شخصياته على الخروج إلى المنفى فراراً من السجن، في ظل توجيه الاتهامات بالإرهاب والتخريب لكل من انتقد النظام الحاكم”.
أصبحت الأجواء خانقة لدرجة أن الجزائريين باتوا يعتقدون أن تعددية الرأي كانت أفضل في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي كرهه الشعب بسبب انجرافه إلى الفساد والمحسوبية.
ومع ذلك -تتابع “لوموند”- يشعر نظام الرئيس عبد المجيد تبون بالثقة الكافية لتجاهل الأضرار الجانبية لتصعيده الاستبدادي. في الداخل، يعتقد أنه يستطيع شراء السلام الاجتماعي مع انتعاش أسعار النفط، وفقًا لسيناريو مثبت، ولكنه مصطنع وقصير الأجل. وفي الخارج، يعول على استعادة الائتمان الاستراتيجي للجزائر، عملاق الهيدروكربونات الذي يتقرب منه الأوروبيون بحثا عن بدائل للغاز الروسي. كما تراهن فرنسا في عهد إيمانويل ماكرون على مصالحة الذاكرة والتعاون الأمني في منطقة الساحل.
ومضت “لوموند” إلى القول إنه على الديمقراطيين الجزائريين عدم التعويل على المستشارين الأوروبيين، على الأقل من خلال التصريحات العلنية. ولكن قد تكون هناك أشكال أخرى من الدعم، لا سيما من خلال استقبال المنفيين وفقا لقوانين اللجوء ورفض الاستجابة لطلبات التسليم بحق المعارضين الذين اتخذوا خيارا شجاعا ومشرفا للنضال سلميا من أجل الحقوق الأساسية.
كما يجب أن يأملوا أيضا في الاعتماد على التضامن الذي يمكن أن تظهره المجتمعات المدنية في شمال البحر الأبيض المتوسط ، حتى لا يشعر الديمقراطيون في الجزائر بالتخلي عنهم. ويجب أن يكون الجميع على دراية جيدة بالمأزق الذي يُدان به العناد الأمني في الجزائر: إنه لمَن الوهم أن نرغب في “تعزيز الجبهة الداخلية”، لاستخدام الشعار الرسمي بخنق المواطنة التي لا غنى عنها لأي أمة.