تحت عنوان: “الجزائر تنهار.. هل ستجرّ فرنسا معها؟”، قدّم السفير الفرنسي السابق في الجزائر غزافييه دريانكور، في مقال له بصحيفة “لوفيغارو”، تقييماً نقدياً للغاية للسنوات الثلاث من الفترة الرئاسية لعبد المجيد تبون، معبّراً عن خشيته من تداعيات الوضع السياسي الجزائري على فرنسا.
غزافييه دريانكور، الذي كان سفيراً لدى الجزائر مرتين؛ بين عامي 2008 و2012، ثم بين 2017 و2020، قال إن ثلاث سنوات مرّت منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية الجزائرية، وإن صداقته واحترامه للشعب الجزائري، تلزمه بالتذكير ببعض الحقائق عن الواقع السياسي والأوهام الفرنسية وعواقبها، زاعما أن “الجزائر الجديدة” بصدد الانهيار، وتجرّ فرنسا معها في طريقها للانهيار، بشكل أقوى من تسبّب الأزمة الجزائرية في سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة عام 1958 .
ويضيف السفير السابق أن “الواقع الجزائري ليس كما يُرسم لنا: لقد سقط نظام بوتفليقة الفاسد في عام 2019، وبعد الاضطرابات، كما في أي ثورة، فإن الجزائر الناتجة عن (الحراك المبارك) ستكون كما قيل لنا عنوانا للتقدم، والاستقرار والديمقراطية”.
لكن ما حصل حسب زعم، دريانكور، فإن “جميع المراقبين الموضوعيين يلاحظون أنه منذ عام 2020، ربما بعد أسابيع قليلة من الأمل، أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي: نظام عسكري، مدرّب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق، وحشي، بواجهة مدنية فاسدة مثل سابقتها التي أسقطها الحراك، مهووسة بالحفاظ على امتيازاتها، وريعها، وغير مبالية بمحنة الشعب الجزائري”.
ويقول السفير السابق، إنه يوجد، اليوم، في السجون الجزائرية سياسيون وموظفون وعسكريون يرتبطون بالنظام السابق، بالإضافة إلى صحافيين كتبوا مقالات تنتقد أو تتحفّظ على سياسة النظام، وأيضاً بوجود آخرين نشروا رأيًا مخالفًا على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد سمحت جائحة كوفيد للجيش ببدء التطهير السياسي، ثم استغل الظروف الدولية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا لإكمالها: كُمّمت أفواه الصحافيين، واعتقلوا، أو حرموا من جوازات سفرهم، كما أغلقت صحف، مثل Liberté، بينما وضعت “الوطن” تحت الوصاية، وفي الأيام الأخيرة، أتى الدور على راديو M الذي اعتُقل مديره إحسان القاضي، ثم موقع AlgériePart لاتهامه بتلقي أموال من الخارج لنشر أخبار كاذبة من أجل “زعزعة استقرار البلاد”. علاوة على ذلك، تم حل جمعيات مثل “كاريتاس”، التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية قبل عام 1962، واتُهم البعض الآخر بتلقي أموال من الخارج.
وتابع دريانكور القول إنه في الخارج، أي في بلده فرنسا، فإن الخطاب المناهض للفرنسيين، الذي كان انتهازيًا، وأحيانًا أخرقا في عهد بوتفليقة، هو اليوم في صلب النظام في عهد عبد المجيد تبون، والذي تكمن قوته في جعل العالم يعتقد أن الجزائر ربما ليست ديمقراطية على النمط الغربي، لكنها تتحرك، وفقًا لوسائلها الخاصة، نحو نظام استبدادي قليلاً، وبوليسي بشكل لطيف، ولكن دون أن يكون ديكتاتورياً على الإطلاق.
لكن عبقرية هذا النظام تتجلى خاصة في تمكّنه من جعل هذه الحكاية تُبتلع من قبل الفرنسيين، الذين يفترض أنهم أكثر من يعرفونه. يتابع غزافييه دريانكور قائلاً: “نعتقد أننا نعرف الجزائر بحكم احتلالنا لها، لكن الجزائر تعرفنا.. سيكون عام 2023، بعد الزيارات الرسمية في 2022، وقت النشوة، مع زيارة دولة سيقوم بها الرئيس الجزائري. لكن دعونا نكون بلا أوهام: قبيل الانتخابات الرئاسية الجزائرية، سيشهد عام 2024 حتمًا أزمة جديدة، لأن الخطاب المناهض للفرنسيين هو خميرة حملة انتخابية ناجحة”.
واعتبر السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، أن بلاده تغض البصرعن الواقع الجزائري عن قصد أو انتهازية وعمى، حيث يتم في باريس التظاهر بالاعتقاد أن السلطة الجزائرية شرعية، إن لم تكن ديمقراطية، وأن الخطاب المعادي للفرنسيين شر ضروري ولكنه عابر، وأن الديمقراطية هي تدريب يستغرق وقتًا. فهذا العمى الفرنسي، يضيف غزافييه دريانكور، هو خطأ تاريخي. فالاعتقاد أنه بالذهاب إلى الجزائر والرضوخ للجزائريين في ما يتعلق بملفات كالذاكرة والتأشيرات، ستكسب فرنسا نقاطا دبلوماسية، وتجر الجزائر نحو المزيد من التعاون، هو مجرد وهم وأكذوبة. والعسكريون الذين يديرون الجزائر ليست لديهم مخاوف أو قلق عندما يتعلق الأمر بفرنسا.
ومضى دريانكور إلى الإشادة بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي أدلى بها في أكتوبر عام 2021، وكشفت عنها صحيفة “لوموند”، حيث قال: “إن تاريخا رسميا أعادت الجزائر كتابته تم بناؤه على كراهية فرنسا”، وتحدث عن “ريع الذاكرة”، وعن “نظام سياسي عسكري مرهق”، ليكون بذلك قد أشهر وضوحا لم يُظهره أي من أسلافه. لكنه انتقد بشدة “اندفاع” ماكرون بعد ذلك إلى الجزائر العاصمة، التي أدلى منها بالتصريحات التي كان الجزائريون ينتظرونها بشأن الذاكرة والهجرة، قبل أن يرسل رئيسة وزرائه مع خمسة عشر وزيراً إلى الجزائر.