في صعوبات الانتقال إلى الديموقراطي

 

الدكتور عبد الوهاب التدموري

 

/ قراءة في تعقيدات المرحلة :

عندما يضطرنا القول بتعقيدات المرحلة في ما يخص عملية الانتقال الى الديمقراطية فليس من باب المبالغة ولا من باب التيئيس .لكن فقط من اجل ادراك ما يمكن أن يحيط من صعوبات بأي مشروع سياسي مجتمعي بديل ,يسعى الى احقاق الانتقال الى الديمقراطية ..

كما أن استيعابنا و فهمنا لطبيعة هذه التعقيدات هي من سيجنبنا السقوط في بعض التحليلات التبسيطية للأوضاع سواء منها التي تقف موقف المنفعل أو بالأحرى المبهر مما يعيشه المجتمع من حراك شعبي والرهان عليه في إحداث عملية التغيير المنشودة حتى وهو لا يمتلك تصورا مجتمعيا ولا اداة تنظيمية لانجاز هذه المهام ..أو التي تقف موقف الارتهان الى بعض الأطروحات التي مازالت تراهن في عملية التغيير على بعض القوى والأطراف السياسية التي تأكد بقوة الواقع ،رفض المجتمع لها ،وعن استنفاذ مهامها التاريخية بعد أن تحولت إلى دكاكين سياسية تظهر فقط مع كل موسم انتخابي، أو في حالات أخرى بالنسبة لبعض قوى اليسار إلى مجرد نوادي فكرية تسعى للنقاوة الإيديولوجية وتتوهم امتلاكها الحقيقة المطلقة .أو أنها لا ترى في حل واقع الأزمة الذاتية لليسار ،وما يعيشه من تشرذم سوى عملية تركيبية بما تتطلبه من تجميع لكيانات مجزأة ، دون أن تكلف نفسها عناء الخوض في معركة إعادة البناء على مختلف المستويات المذهبية والتنظيمية والسياسية .

او الرهان على بعض الأطراف من داخل الدولة المسماة حداثية التي يبدو أنها فقدت موقعها لصالح القوى المحافظة والاصولية .
بالتالي ومن اجل الوقوف عند هذه التعقيدات التي تميز واقعنا السياسي الراهن سيكون لزاما علينا استحضار ثلاثة فاعلين أساسيين في ما نعيشه من مخاض سياسي واجتماعي بكل تعقيداته المرحلية والاستراتيجية

 

أ/الدولة المخزنية :
بما تشكله من إرث تاريخي يمتد لقرون من الزمن، تأقلمت خلالها مع كل الظروف، واجتازت الكثير من الاختبارات الصعبة، حافظت عبرها على استمراريتها ونسجت الكثير من العلاقات الاجتماعية والسياسية، وبنت الكثير من الولاءات باستعمال مختلف الوسائل التي تتراوح بين الترهيب والقوة من اجل اخضاع المجتمع او من تعتبرهم خارجين عن طاعتها لسيطرتها المطلقة ،والترغيب في حالات اخرى باعتماد كل أشكال الريع ، وشراء الذمم. .

كما ان هذه التجربة العريقة للدولة المخزنية هي من حال دون سقوطها في الكثير من المحطات التاريخية، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،عندما استشعرت ضعفها فوضعت مصيرها بين يدي القوى الاستعمارية من خلال وثيقة معاهدة الحماية التي كان من بين بنودها حماية العرش والسلطان .

ومن أجل ذلك وفي انسجام تام مع طبيعة النظام السياسي المغربي ، انتدبت الدولة الاستعمارية الفرنسية الجنرال ليوطي المعروف بموالاته وحنينه ، لعصر الملكية الفرنسية ، مقيما عاما على المغرب لوضع أسس الدولة المغربية الحديثة التي جمع من خلالها بين أعراف الدولة المخزنية و مقتضيات الدولة اليعقوبية .

وذلك في توليفة هجينة تجمع بين التقليد والحداثة. وكذلك فعلت الدولة المخزنية في مرحلة بدايات الاستقلال عندما استشعرت ضعفها ،فاعتمدت هذه الأخيرة على أقطاب الحركة الوطنية المتشبعين بالموروث المخزني من أجل ضمان استمراريتها بالشكل التي هى عليه الآن ، وذلك عندما أجلت هذه الأقطاب التي حضرت اوفاق اكس لبان النقاش حول المسألة الدستورية الى حين عودة السلطان من المنفى، واكتفت في مقابل ذلك ببعض الامتيازات السياسية والاقتصادية.وهو ما أعطى نفسا جديدا للدولة المخزنية من أجل استعادة عافيتها و اعادة فرض سيطرتها من جديد والتحكم في الشأن السياسي والاقتصادي .

ونتيجة لذلك عمدت في مرحلة لاحقة الى اقصاء حتى من وقفوا الى جانبها في مرحلة ضعفها ، وذلك من أجل فرض سيادتها على الجميع بعد تنصلها من التوافقات السياسية السابقة التي كانت تحكم علاقة الطرفين .

بل اكثر من ذلك عمدت الى هندسة مشهد حزبي وسياسي جديد ،خاضع كليا لإملاءاتها ،ولا يمن عليها وقوفه معها ، ولا يربط مشروعيته بمشروعيتها كما كانت تفعل قوى الحركة الوطنية . وكذلك تفعل الان بعد ان اشتدت الأزمة واستفحل الفساد بكل اشكاله نتيجة هذا التحكم المطلق بالشأن السياسي والاقتصادي ووصل المجتمع الى ما وصل إليه من احتقان يكاد يعصف بالجميع، وبدل البحث عن مخرجات الحل من خلال تعاقدات سياسية تأخذ بعين الاعتبار المطالب المشروعة للشعب المغربي في الحرية والتنمية والديموقراطية و تضمن الخروج الآمن للمغرب مما هو عليه من أوضاع ، عمدت الدول المخزنية من جهة الى اعتماد الآليات الزجرية والقمعية من اجل اخضاع المجتمع بالقوة لسيطرتها هذا دون أن تستوعب التحولات الإقليمية والدولية ولا تلك التي شهدها المجتمع المغربي الذي تجاوز مركب الخوف و استفاد مما راكمته شعوب العالم من اشكال جديدة للمقاومة و بكل ما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانيات هائلة لنشر المعلومة و التأطير والتعبئة الفردية والجماعية .

إن هذا التمادي في انتهاج نفس المقاربة في الحكم والسلطة منذ الاستقلال إلى الآن وعدم الاخذ بعين الاعتبار التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي ومحيطنا الإقليمي والدولي يعكس بما لا يدع مجالا للشك تغول التوجه المخزني الأصولي وهيمنته على مفاصل الدولة على حساب ما يعتبر توجها حداثيا من داخلها ، الموروث عن الحقبة الاستعمارية .كما أن هذا التغول هو ما يفسر تماديه في استعمال الأساليب التقليدية في الحكم من أجل التحكم والإخضاع تحت يافطة استعادة هيبة الدولة.كما انه ومن اجل ضمان هذه السيطرة التي يبدو ان الاساليب القمعية وحدها لم تعد مجدية لاحقاقها .

فإن هذا التوجه المخزني المحافظ لن يتوارى من جهة أخرى في رهن البلاد للوبيات المالية العالمية ، ونسج تحالفات مع من يمكن أن يؤمن هذه السيطرة

زر الذهاب إلى الأعلى