الكاتب : مصطفى اهدار
صخب الاستعراض السياسي: عندما تتحول الديمقراطية إلى مهرجان
في مشهد سياسي مثير، شهدت مدينة أكادير مؤخراً حدثاً حزبياً تمثل في تنظيم “جامعة الشباب الأحرار” من قبل شبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار. هذا الحدث، الذي أقيم في ساحة مسرح الهواء الطلق، لم يكن مجرد تجمع شبابي عادي، بل كان بمثابة استعراض للقوة ومحاولة لاستقطاب الشباب بأساليب متنوعة وإضفاء بروز إعلامي لافت لرئيس الحكومة في جمع شبابي غفير. يمكن تناول هذا الحدث كنموذج يستدعي التحليل العميق لفهم ديناميكيات العمل السياسي الحزبي في المملكة في سياق يعكس تحولاً ملحوظاً في أساليب التواصل السياسي واستراتيجيات استقطاب الشباب.
لقد حضر هذا الحدث عدد كبير من الشباب من مختلف أنحاء المملكة، في رحلة مدفوعة التكاليف، مما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الحشد الكبير. هل هو اهتمام حقيقي بقضايا الشباب أم محاولة لخلق صورة زائفة عن شعبية الحزب وقدرته على استقطاب الجيل الجديد؟
ولفهم دلالات هذا الحدث، يجب وضعه في إطار نظرية التعبئة السياسية التي طورها تشارلز تيلي. فوفقاً لتيلي، تلجأ الأحزاب السياسية إلى استراتيجيات متنوعة لتعبئة قواعدها الشعبية، خاصة في فترات التحول السياسي. وهكذا قد نفهم من حيث المبدأ “جامعة الشباب الأحرار” كمحاولة لتوظيف ما يسميه تيلي بـ “رأس المال الاجتماعي” لتعزيز شرعية الحزب وتوسيع قاعدته الشبابية استعداداً للمحطات الانتخابية المقبلة. كما يمكن أن نفهم مبدئياً أن استقدام عدد غفير من الشباب من مختلف أنحاء المملكة في رحلة مدفوعة التكاليف، يشير إلى توظيف ما يسميه بيير بورديو بـ “رأس المال الرمزي”. فالحزب يسعى إلى خلق صورة ذهنية إيجابية لدى الشباب، مستثمراً في الفضاء العام وموارده المادية لتعزيز مكانته السياسية.
لكن هذا النهج التواصلي يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الممارسة الديمقراطية في المغرب. فكما يشير روبرت دال في نظريته عن الديمقراطية التعددية، فإن جودة الديمقراطية تقاس بمدى قدرة المواطنين على المشاركة الفعالة في صنع القرار السياسي. فهل يمكن اعتبار هذا النوع من الأنشطة بالشكل الذي ظهرت به جامعة شباب الأحرار أو هذا النهج التواصلي الحزبي عموماً مساهمة حقيقية في تعزيز المشاركة السياسية الفعالة للشباب، أم أنه مجرد محاولة لخلق ولاءات سطحية؟
خطاب السطحية: عندما يصبح التاريخ ضحية للدعاية السياسية
وفي خضم هذا الحدث الحزبي، برز تصريح مثير للجدل لرئيس الشبيبة التجمعية، لحسن السعدي، الذي حاول في بدايته أن يربط بين الهوية الليبرالية المزعومة لحزبه وبين الحصيلة الحكومية الحالية. هذا التصريح، الذي يكشف عن قصور في الفهم السياسي، فتصريح رئيس الشبيبة التجمعية بمحاولته ربط الهوية الليبرالية المزعومة للحزب بالحصيلة الحكومية يحاول القيام بما يسميه نورمان فيركلوف بـ “الممارسة الخطابية” حيث يتم توظيف اللغة لإنتاج وإعادة إنتاج علاقات القوة السياسية. لكن أسلوب السعدي أوقعه في ما يمكن وصفه بـ “السطحية السياسية”، وهو نمط من الخطاب السياسي يهدف إلى تبسيط القضايا المعقدة وتقديمها في قوالب استهلاكية سهلة.
لكن وفقاً لنظرية التمثيل السياسي التي طورتها هانا بيتكين، فإن جودة التمثيل السياسي تقاس بمدى قدرة الممثلين على عكس مصالح وتطلعات من يمثلونهم بشكل دقيق وعميق. لكن أسلوب السعدي، بتبسيطاته المفرطة وادعاءاته غير المدعومة، يفشل في تحقيق هذا المعيار الأساسي للتمثيل السياسي الفعال.
إضافة إلى ذلك، نجد أن الخطاب الحالم للسيد السعدي يصطدم بواقع اقتصادي واجتماعي معقد. فوفقاً لتقرير المندوبية السامية للتخطيط لعام 2023، نجد ارتفاعاً في معدلات البطالة بشكل مؤثر، مع تسجيل ارتفاع حاد في أسعار المواد الأساسية بنسبة تجاوزت 15% في بعض القطاعات، والتعثرات التي صاحبت تنفيذ ورش الحماية الاجتماعية، كلها مؤشرات تدل على فشل السياسات الحكومية الحالية. وتتناقض بشكل صارخ مع ادعاءات النجاح الحكومي، مما يطرح تساؤلات حول مدى مصداقية الخطاب السياسي للحزب الحاكم. كيف لرئيس شبيبة حزب حاكم أن يتباهى بهذه الحصيلة ويعتبرها انعكاساً لهوية حزبه الليبرالية؟
لعل السيد السعدي يقصد الجانب المتوحش من الليبرالية، ذلك الجانب الذي يهمل مصالح عامة الشعب لصالح فئة محدودة من أصحاب رؤوس الأموال. أو ربما هو يكشف، عن غير قصد، عن الهوية الحقيقية لحزبه كجماعة ضاغطة تعمل على حماية مصالح رجال الأعمال على حساب الطبقات الشعبية.
أما ادعاؤه بأن أحزاباً تدعي الاشتراكية قامت ببيع مؤسسات الدولة، في إشارة إلى تجربة حكومة التناوب التي قادها الراحل عبد الرحمن اليوسفي، فهو ادعاء يفتقر إلى الدقة التاريخية والموضوعية السياسية. فحكومة التناوب، التي جاءت في سياق وطني حرج، استطاعت أن تُنقذ البلاد مما وصفه الملك الراحل الحسن الثاني بـ”السكتة القلبية”. فوفقاً لدراسة أجراها المعهد المغربي لتحليل السياسات عام 2020، فإن برنامج الخوصصة الذي نفذته حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي (1998-2002) كان جزءاً من إصلاحات هيكلية أوسع هدفت إلى تحديث الاقتصاد المغربي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وقد أدت هذه الإصلاحات إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% سنوياً خلال فترة حكومة التناوب، مقارنة بمتوسط نمو 2.8% في العقد السابق.
علاوة على ذلك، فإن تجربة حكومة التناوب، حسب الباحث السياسي عبد الله ساعف، مثلت نقطة تحول في المشهد السياسي المغربي. فقد نجحت في إطلاق إصلاحات جوهرية في مجالات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، مما مهد الطريق لتحولات سياسية لاحقة. وأكد المؤرخ السياسي المغربي عبد الله العروي أن تجربة التناوب مثلت محاولة جادة لتجاوز حالة الاستعصاء السياسي التي عاشها المغرب في تسعينيات القرن الماضي. فعلى الرغم من أنها كانت في الأساس حكومة أزمة، إلا أنها استطاعت معالجة ملفات عديدة ومعقدة، وإطلاق أوراش وبرامج تنموية ظلت آثارها الإيجابية ملموسة حتى يومنا هذا. فكيف يمكن مقارنة هذه التجربة الرائدة بالحصيلة الهزيلة للحكومة الحالية التي يتباهى بها السيد السعدي؟
عموماً، أسلوب السيد السعدي في التعامل مع التاريخ السياسي للمغرب، خاصة فيما يتعلق بتجربة حكومة التناوب، يعكس ما يسميه المؤرخ إريك هوبزباوم بـ “اختراع التقاليد”. فهو يقدم قراءة انتقائية ومشوهة للتاريخ، تهدف إلى خدمة أجندة سياسية راهنة، متجاهلاً السياق التاريخي المعقد وإسهامات مختلف الفاعلين السياسيين في بناء المغرب الحديث.
إن هذا النمط من الخطاب السياسي الذي يمثله السعدي يشكل فعلاً تحدياً جدياً لعملية النضج الديمقراطي في المغرب. فكما يشير عالم السياسة روبرت دال، فإن جودة الديمقراطية تعتمد بشكل كبير على نوعية النقاش العام وقدرة المواطنين على اتخاذ قرارات مستنيرة. لكن الخطاب السطحي والمبسط الذي يتبناه رئيس الشبيبة التجمعية يساهم في تضليل الرأي العام وتشويه النقاش السياسي.
في النهاية، يمكن القول إن أسلوب السيد الحسن السعدي يمثل نموذجاً لما يسميه عالم الاجتماع زيجمونت باومان بـ “السياسة السائلة”، حيث تفقد المفاهيم والمواقف السياسية عمقها وثباتها، وتصبح قابلة للتشكيل وفقاً لمتطلبات اللحظة السياسية. هذا النهج، رغم جاذبيته الآنية، يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الممارسة السياسية في المغرب، ويتطلب مراجعة نقدية جادة من قبل النخب السياسية والفكرية في البلاد.
الكوميديا السياسية التراجيدية: عندما تتحول المشاركة إلى استهلاك
إن الأسلوب الذي اختاره حزب التجمع الوطني للأحرار في تنظيم “جامعة الشباب الأحرار” يعكس ما يسميه عالم الاجتماع غي ديبور بـ “مجتمع الاستعراض”. فاستقبال رئيس الحكومة على أنغام موسيقى الراب، أو الرقص على أنغام الأغاني الصيفية يمثل محاولة لخلق صورة عصرية ومنفتحة للحزب، لكنها تثير تساؤلات حول جوهر الممارسة السياسية. فاستقبال رئيس الحكومة على أنغام موسيقى الراب بأغنية للفنان El Grande Toto، لا يعكس انفتاحاً حقيقياً على الشباب بقدر ما يكشف عن محاولة رخيصة لاستمالتهم وكسب ودهم بطرق سطحية.
إن هذا الأسلوب في التعامل مع الشباب يكرس حالة البؤس السياسي التي يعيشها المغرب اليوم. فبدلاً من الاهتمام الحقيقي بقضايا الشباب ومشاكلهم، وتقديم حلول جادة لتحدياتهم، يلجأ الحزب الحاكم إلى أساليب تسويقية رخيصة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وعلى سبيل الدقة والتحقيق يمكن وصف هذا الوضع بـ “البؤس السياسي المزدوج”. فمن جهة، يعكس هذا الأسلوب ما أسماه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بـ “الهيمنة الرمزية”، حيث تسعى النخب السياسية إلى فرض رؤيتها للعالم على الفئات الاجتماعية الأخرى، وخاصة الشباب، من خلال آليات ناعمة ومغرية ظاهرياً.
لكن من جهة أخرى، وهنا تكمن المفارقة، فإن الشباب أنفسهم ليسوا مجرد متلقين سلبيين لهذه الاستراتيجيات. بل إنهم، كما يشير عالم الاجتماع ميشيل دو سيرتو في نظريته عن “ممارسات الحياة اليومية”، يقومون بـ “إعادة تخصيص” هذه الفعاليات وفقاً لمصالحهم الخاصة. فالشباب، مدفوعين بما يسميه عالم الاقتصاد السلوكي دان أريلي بـ “العقلانية المحدودة”، يشاركون في هذه الفعاليات بدافع المنفعة البرغماتية المباشرة – سواء كانت رحلة مجانية أو فرصة للترفيه – دون وعي كامل بالآثار السياسية لمشاركتهم.
هذا التفاعل المعقد بين استراتيجيات الاستقطاب الحزبية والاستجابة البرغماتية للشباب ينتج ما يمكن وصفه بـ “المشهد السياسي المصطنع”. فكما يشير عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار في نظريته عن “فرط الواقع”، فإن هذه الفعاليات تخلق نسخة مبالغ فيها ومشوهة من المشاركة السياسية، تحل محل المشاركة الحقيقية والفعالة.
والنتيجة النهائية لهذه الديناميكية المعقدة هي ما يمكن وصفه بـ “الكوميديا السياسية التراجيدية”. فبينما تسعى الأحزاب إلى خلق صورة حيوية ونشطة لنفسها، وبينما يسعى الشباب إلى تحقيق منافع قصيرة الأمد، يتم في الواقع تقويض أسس المشاركة السياسية الجادة والفعالة. وأكد ذلك الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك، أن هذا النوع من “المشاركة بدون مشاركة” يمثل شكلاً من أشكال “العنف الرمزي” الذي يمارس ضد الديمقراطية نفسها.
ليست مشكلتنا هنا مع فن الراب أو أي شكل من أشكال التعبير الفني الشبابي. بل على العكس، كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أوائل من انفتح على هذه الثقافة في المغرب، حين كانت لا تزال محصورة في أوساط محدودة من الشباب. فقد كان الإيمان لدى الاتحاديين راسخاً بضرورة التشبيب وتجديد الخطاب السياسي، وهو نهج راسخ كرسته الشبيبة الاتحادية منذ تأسيسها عام 1975.
لكن ما نراه اليوم هو استغلال سياسي رخيص لهذه الثقافة الشبابية. فبدلاً من التأطير والتكوين السياسي الحقيقي للشباب، نجد أنفسنا أمام مظاهر من التمييع والتجييش، وبحث محموم عن طرق لاستقطاب الشباب وتأثيث التجمعات الحزبية. وهذا هو فعلاً جوهر مرجعية حزب الأحرار: تسخير الأموال في الدعاية السياسية الفارغة وغير المنتجة.
وبعيداً عن محتوى تصريحات السعدي، فإن تحليل الخطاب السياسي المستخدم في الحدث ككل يكشف عن استراتيجيات أعمق في التواصل السياسي. فاستخدام لغة الشباب وثقافتهم، كما تجلى في الاستعانة بموسيقى الراب، يمثل محاولة لـ “أقلمة” الخطاب السياسي وجعله أكثر جاذبية للجيل الجديد. لكن هذا الاستخدام الانتقائي للرموز الثقافية الشبابية يثير تساؤلات حول مدى عمق وصدق هذا الانفتاح على ثقافة الشباب، خاصة في ظل غياب سياسات ملموسة تعالج قضاياهم الحقيقية.
إن تحليل الممارسات السياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار يستدعي استحضار مفهوم “الزبونية السياسية” الذي طوره عالم السياسة جيمس سكوت. فالحزب، من خلال تنظيم أحداث مثل “جامعة الشباب الأحرار”، يسعى إلى بناء شبكات من الولاءات السياسية، مستخدماً موارده المادية والرمزية. هذا النمط من الممارسة السياسية، وإن كان شائعاً في العديد من الديمقراطيات الناشئة، يطرح تحديات جدية أمام عملية الترسيخ الديمقراطي.
فهذا الأسلوب يثير إشكالية أخلاقية وسياسية عميقة. فكما يشير يورغن هابرماس في نظريته عن الفعل التواصلي، فإن الممارسة الديمقراطية الحقيقية تتطلب حواراً مفتوحاً وصادقاً بين مختلف الفاعلين السياسيين والمواطنين. فهل يمكن اعتبار الاستعراضات الإعلامية والحفلات الموسيقية بالشكل المائع الذي ظهرت به الجامعة المزعومة شكلاً من أشكال الحوار الديمقراطي الحقيقي؟
في ضوء هذه التحديات، يبرز مفهوم “الديمقراطية التداولية” الذي طوره يورغن هابرماس كإطار نظري مهم لفهم وتقييم الممارسة السياسية في المغرب. فوفقاً لهابرماس، فإن جوهر الديمقراطية يكمن في قدرة المواطنين على المشاركة في نقاش عام حر ومفتوح حول القضايا التي تهمهم. فهل تساهم الممارسات الحالية للأحزاب السياسية المغربية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، في تعزيز هذا النوع من النقاش العام؟
نحو سياسة المسؤولية: تحديات بناء ديمقراطية حقيقية في المغرب
عموماً، إن تحليل المشهد السياسي المغربي الراهن يكشف عن تحديات عميقة تواجه عملية الترسيخ الديمقراطي. فالفجوة المتزايدة بين الخطاب السياسي والواقع الاقتصادي والاجتماعي، واللجوء إلى أساليب الاستقطاب السياسي القائمة على الاستعراض والزبونية، تهدد بتعميق أزمة الثقة بين المواطنين والمؤسسات السياسية.
ومن المفارقات المثيرة للسخرية، أن يتناسى السيد لحسن السعدي أن المدينة التي يحتفل فيها اليوم، أكادير، تدين بالكثير في بنيتها التحتية ومرافقها الحديثة إلى جهود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. فتاريخياً، ساهم هذا الحزب التاريخي بشكل كبير في تطوير هذه المدينة وتحديثها. هذا هو الانسجام الحقيقي بين المرجعية والحصيلة، وليس الادعاءات الفارغة التي يطلقها قادة حزب الأحرار.
إن ما نراه اليوم من ممارسات سياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار يعكس أزمة عميقة في الممارسة السياسية بالمغرب. فبدلاً من التركيز على حل المشاكل الحقيقية التي يواجهها المواطنون، من بطالة وغلاء معيشة وتدهور في الخدمات الصحية والتعليمية، نجد أنفسنا أمام استعراضات إعلامية فارغة المحتوى.
إن الأزمة الحقيقية التي يعيشها المغرب اليوم هي أزمة ثقة بين المواطن والطبقة السياسية. فالمواطن المغربي أصبح يشعر بأن الأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تتولى مقاليد الحكم، لم تعد قادرة على تمثيل مصالحه أو التعبير عن تطلعاته. وما يزيد الطين بلة هو لجوء بعض الأحزاب إلى أساليب شعبوية رخيصة لاستمالة الناخبين، بدلاً من تقديم برامج جادة وواقعية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
وفي دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالرباط (2022)، تبين أن 67% من الشباب المغربي يشعرون بالإحباط تجاه الطبقة السياسية، ويرون أن الأحزاب لا تمثل مصالحهم الحقيقية. هذه النتائج تطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية الأساليب التقليدية في استقطاب الشباب وإشراكهم في العملية السياسية.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه المغرب اليوم، كما يشير عالم الاقتصاد السياسي دارون عجم أوغلو، هو كيفية بناء مؤسسات سياسية واقتصادية شاملة قادرة على تحقيق تنمية مستدامة وعادلة. فهل تساهم الممارسات الحالية لحزب التجمع الوطني للأحرار في تحقيق هذا الهدف، أم أنها تكرس نمطاً من السياسة الاستعراضية التي تعمق الفجوة بين المواطن والطبقة السياسية؟
إن ما يحتاجه المغرب اليوم هو العودة إلى الأصالة السياسية، إلى ممارسة سياسية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. نحتاج إلى أحزاب تؤمن حقاً بدورها في التأطير والتكوين السياسي، وليس مجرد ماكينات انتخابية تنشط موسمياً لجمع الأصوات ثم تختفي بعد ذلك.
لقد أثبتت التجربة أن الاستثمار الحقيقي في الشباب لا يتم عبر الحفلات الموسيقية والرحلات المدفوعة التكاليف، بل من خلال توفير فرص حقيقية للتعليم والتكوين والعمل. إن شباب المغرب اليوم في حاجة إلى سياسات جادة تفتح أمامهم آفاق المستقبل، وليس إلى استعراضات إعلامية زائفة.
وفي الختام، نقول للسيد لحسن السعدي ولقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار: إن السياسة ليست مجرد استعراضاً إعلامياً أو حفلة موسيقية. السياسة هي خدمة الصالح العام، هي القدرة على تقديم حلول واقعية لمشاكل المواطنين. فبدلاً من التباهي بحصيلة حكومية هزيلة، وبدلاً من محاولة تشويه تجارب سياسية سابقة، عليكم أن تقدموا للشعب المغربي رؤية واضحة وبرنامجاً ملموساً لكيفية إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
إن المغرب اليوم في حاجة إلى سياسة جادة ومسؤولة، سياسة تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. فهل سيكون حزب التجمع الوطني للأحرار على مستوى هذا التحدي؟ أم أنه سيستمر في سياسة الهروب إلى الأمام والتغطية على فشله بحفلات موسيقية واستعراضات إعلامية فارغة؟ الجواب، في النهاية، سيكون بيد الشعب المغربي الذي أثبت دائماً أنه قادر على التمييز بين من يخدمه حقاً ومن يحاول خداعه بشعارات براقة وحفلات صاخبة.
والتغلب على هذه التحديات يتطلب إعادة نظر جذرية في أساليب الممارسة السياسية، وتطوير آليات جديدة للمشاركة السياسية الفعالة، خاصة للشباب. كما يتطلب تعزيز دور المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية في إثراء النقاش العام حول القضايا الوطنية الكبرى. فقط من خلال هذا النهج الشامل والتشاركي يمكن للمغرب أن يتجاوز التحديات الراهنة ويحقق تطلعات مواطنيه في بناء ديمقراطية حقيقية وتنمية مستدامة.