حقيقة الوطن بين مجانية التعليم …و مجانية الانسان

اذا كنت تعتقد ان التعليم المجاني مكلف فجرب الجهل ، ستجد شعبا يتخبط في الظلام الذي حتما سيهوي بالوطن الى الهاوية بل و سيدمر كل حاضر و غائب على هاته الارض و اولهم من سنوا قانون الغاء مجانية التعليم . فان يخرج للشارع شعب مثقف واعي مدرك لحقيقة امره ، خير من ان تواجه شعبا اميا جاهلا قد نخر الفساد عضام جسده فلا يفرق بين صالح و طالح.
خرج ساسة هذا الوطن بقرار الغاء مجانية التعليم ، هي في حقيقة الامر جريمة نكراء بل مجزرة في حق هذا الوطن ، ان تحرم شريحة عريضة من ابناء هذه الارض من حقهم في التعليم فهو شيئ مقرف و لا يمت لحقوق الانسان باية صلة ، خذ رغيفي و هاك حياتي كذلك لكن اياك و ان تلمس شعرة واحدة من التعليم الوطني، اتدرون ما معنى ان اجمع الدرهم فوق الدرهم كي يتعلم ابناؤنا ، اتدرون حقيقة الامر ، بل هل انتم مستوعبون لفظاعة القضية ، ام تراها ستكون حدثا ضمن احداث سلسلة كم من حاجة قضيناها بتركها
ليمر القرار بسلام و تعود حليمة لعادتها القديمة

فبعد ان حل الظلام الدامس على ارضنا و غلا رخيصها و صارت معيشتنا ضنكا يصعب مجاراتها، فقد تم سحق الطبقة المتوسطة التي كانت وقود اقتصاد هذا المجتمع ليزداد الفقير فقرا بسبب قرارات غبية يمكن وصفها بالحقيرة ، لتسترسل هاته المهزلة باخر القرارات السافرة بالغاء مجانية التعليم ، فمعناه انك ستحرم شريحة عريضة من اطفال هذا البلد من حقهم في التعليم لكون نسبة الفقر قد ارتفعت نتيجة السياسة الحمقاء ، معناه اننا سنعود بالزمن الى الوراء لنجد انفسنا في عصور الظلام و الجهل و التخلف ، معناه اننا سائرون في طريق تدمير هذا الوطن
هي فرمانات و اوامر صندوق النقد الدولي على المغرب ان يخوصص القطاعات العمومية بجميع انواعها و اشكالها في اطار ترشيد النفاقات ليثبت ولاءه و عزمه في رد ديونه التي تجاوزت الخط الاحمر ، فكان من اولى القطاعات العمومية التي تم استهدافها هو التعليم العمومي لكونه القطاع الذي يستهلك النصيب الاوفر من الميزانية العامة للوطن ، فبذكاء و حنكة ساستنا العظماء ارتأوا “ماشاء اللهم عليهم” ان يسوقو هذا القطاع نحو الخوصصة و القضاء على المجانية بشكل نهائي، اي تحويل هذا القطاع التعليمي الحيوي و الذي هو ركيزة المجتمعات الراقية الى مجال للاستثمار و الربح على حساب المواطن ليفقد التعليم روحه و جودته و السبب الرئيسي و الاساسي لوجوده.
فلماذا اصلا سنتجه نحو الاستدانة و نغرق في بحر الديون العريض لنتحمل اوامر و عجرفة صندوق النقد الدولي ، الا نملك ثروات بحرية بملايير الدولارات ؟ اليست لدينا ثرواث باطنية تغنينا عن كل ديون العالم؟ ثم اذا كنا نريد حقا ترشيد نفاقاتنا فهل من الضروري ان نصرف رواتب هذا الكم الهائل من برلمانيين و وزراء و مسؤولين مرموقين مدنيين و عسكريين بسياراتهم و فنادقهم و سفرياتهم و سكنهم و و و ؟ فاين هو ترشيد النفاقات في كل هذا ؟ لماذا سيتحمل المواطن البسيط اخطاء قرارات و سياسات فاشلة؟ لماذا يتم بتضحية مستقبل اطفال هذا البلد و حرمانهم في حقهم في التعليم المجاني في سبيل ان يراكم سياسيونا ثرواتهم و يغتنوا و يملؤا حساباتهم البنكية اكثر فاكثر.
لماذا اذا سيدفع المواطن الضرائب بشتى انواعهااذا كانت الدولة تتهرب من واجبها ، فالمواطن يدفع الضرائب ليستخلص ذاك الشرطي راتبه من اجل حمايته، و ليستخلص ذاك الطبيب راتبه من اجل تطبيبه ، و ليستخلص المعلم راتبه من اجل تدريس ابنائه، فمادام ان التعليم سيخوصص و سيتحول الى مشروع استثماري فلاداعي اذن لتادية الضرائب ، اليس هذا هو المنطق؟
ينص الدستور المغربي في الفصل 32 على ان التعليم الاساسي حق من حقوق الطفل و واجب على الاسرة و الدولة ، كما ان حق التعلم هو مضمن في المادة رقم 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي المادة رقم 13و 14من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية ,والإجتماعية والثقافية .
وقد تم تأكيد حق التعلم مجددا عام 1960في اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في التعليم ,وفي عام 1981في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ,وفي عام 2006 في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في أوربا, المادة رقم 2 من البروتوكول من تاريخ 20 مارس عام 1952 و الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والتي تنص على أن حق التعلم هو معرف كحق من حقوق الإنسان و يفهم لتأسيس الحق في الحصول على التعلم بالإضافة إلى بنود الحصول على التعليم, يشمل حق التعليم أيضاالالتزام بإبعادالتمييز عن جميع مراحل النظام التعليمي،ووضع معايير للحدالأدنى وتحسين جودةالتعليم
افبعد كل هذا لا زالت لديكم نية ان تجعلو من تعليمنا سوقا للنخاسة يباع فيها التلميذ و يشترى ؟
المانيا كانت البادئة بفكرة تعميم التعليم المجاني منذ عام 1840 وبعده جعلته اجباريا” ووظيفه من وظائف الدولة ولأهمية التعليم الالزامي تم تطبيق الالزام في ولاية ماسوشيتس في الولايات المتحده الامريكية عام 1852 اما فرنسا فقد شرعت في تطبيق قانون التعليم الالزامي العمومي المجاني عام 1882 واعتمدت عليه لتثبيت نظام الحكم الجمهوري ولبث الروح الوطنية والقومية من جهة اخرى اما الاتحاد السوفيتي السابق فلم يطبق الالتزام الا عام 1930
المضحك المبكي في الامر انه لو اخذنا مثلا كوكب اليابان سنجد ان معظم المدارس الابتدائية في اليابان هي مدارس حكومية ولا يتعدى نسبة المدارس الخاصة 1% حيث أن المدارس الخاصة مكلفة على المدارس الحكومية، هاته هي سياسة هذا البلد الراقي و الذي لا يمكن ان اصل الى عشر ما هو عليه اليوم بالتأكيد و ذلك نتيجة الارادة السياسية و الشعبية الحقيقية و التي بها يمكن ان نحقق المستحيل.
لكن مادام في بلداننا المتخلفة ساسة و مسؤولون يقدمون مصالح مؤخراتهم العفنة عن مصلحة اطفال و ابناء الوطن و يضعون مصالحم الشخصية فوق اي اعتبار فبالتاكيد سيكون مصيرنا الاسوأ لا محالة ، هذه هي نتيجة الخضوع و الخنوع و الذل ، هذه هي نتائج صناديق الاقتراع الحقيقية ، و هذا ما يستحقه شعب رضي بان يكون دمية ماريونيت .
لذا و امام هذه الجريمة البشعة في حق التعليم العمومي و جب على جميع المواطنيين الغيورين على مصلحة هذا الوطن و القائميين على بناء مستقبل افضل و اجمل لابنائنا و الاجيال القادمة بالوقوف وقفة رجل واحد امام فضيحة الغاء مجانية التعليم بالمغرب ، هاته الجريمة النكراء التي يتم حبك مخططها داخل دهاليز الحكومات بانواعها و التي تعكس عجز و فشل الدولة في تسيير هذا القطاع الحساس جدا و الذي سيحرم شريحة عريضة و واسعة من الشعب المغربي في حقه بالتعليم العمومي.
بل وجب المطالبة بجودة في التعليم و الزاميته و تحمل الدولة مسؤوليتها في الاشراف على هذا القطاع ، لانه دون تعليم مجاني و قوي فاننا سنكون مجتمعا من الحيوانات الناطقة التي سيتجذر فيه التخلف و الفساد اكثر مما هو عليه اليوم لتساق كالانعام دون ادنى رد فعل
فلن تسامحنا الاجيال القادمة اذا ما مر هذا القرار و سنكون وصمة عار في جبينهم لتصلنا رحماتهم بوابل من اللعنات و السخط الاجتماعي.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد