محاربة “الكاش” في المغرب: هل يستقيم الظل و العود اعوج

لا يستقيم الظل والعود أعوج، مقولة تلخص واقع محاربة الكاش في المغرب، حيث أطلقت الدولة مؤخراً مبادرة مصالحة مع الأشخاص الذين يمتلكون مبالغ مالية كبيرة دون التصريح بها أو إيداعها في المؤسسات البنكية. المبادرة، رغم إيجابياتها المتمثلة في إدخال مبالغ مهمة إلى خزائن الدولة، أثارت جدلاً واسعاً حول طبيعتها وأهدافها الحقيقية، إذ اعتبرها البعض خطوة لتمكين المهربين وتجار المخدرات من تبييض أموالهم بأقل تكلفة، بينما يرى آخرون أن انتعاش ميزانية الدولة يبقى مكسباً يفوق كل الانتقادات.

لكن إذا أردنا التعمق في جوهر القضية، فإن المثال الذي قدمه فوزي لقجع سنة 2017 يبقى شاهداً على التناقض الذي يطبع خطاب الدولة في هذا السياق. عندما تعرضت فيلته للسرقة، تحدثت التقارير الصحفية عن وجود خزنة تحتوي على ما يعادل 80 مليون سنتيم نقداً، بالإضافة إلى مجوهرات ثمينة. هذه الواقعة تثير تساؤلات حول مصداقية دعوات الدولة للمواطنين بالتصريح عن أموالهم، في وقت يبدو فيه أن مسؤولين بارزين يحتفظون بمبالغ ضخمة خارج النظام البنكي. كيف يمكن لشخصية عمومية ومسؤول حكومي أن يدعو المغاربة إلى الالتزام بالشفافية المالية بينما يخالف ذلك في حياته الشخصية؟

مثل هذه الحوادث تضرب في عمق الثقة بين المواطن والدولة، وهي الثقة التي تشكل حجر الزاوية لأي إصلاح اقتصادي ناجح. المواطن البسيط الذي يعيش في ظل اقتصاد غير مستقر سيجد صعوبة في التصديق بأن محاربة الكاش تستهدف الجميع على قدم المساواة، خصوصاً عندما يرى شخصيات نافذة تُفلت من المحاسبة أو تتعامل مع النظام البنكي بازدراء واضح.

الدولة، وإن كانت تسعى لإنعاش خزائنها في ظل أزمة اقتصادية خانقة، بحاجة إلى رؤية أكثر شمولاً تتجاوز الحلول السطحية. معالجة هذه الظاهرة لن تكون فعالة دون مواجهة الأسباب الحقيقية التي تدفع الأفراد إلى الاقتصاد الموازي، بدءاً من ضعف الثقة في المؤسسات البنكية وغياب الشفافية، وصولاً إلى انتشار الفساد وضعف آليات المحاسبة. المبادرة الحالية قد تكون حلاً سريعاً لرفع الإيرادات، لكنها لا تمثل إلا قشة في بحر مليء بالتناقضات. لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي ما لم تُقدّم الدولة نموذجاً يُحتذى به، نموذجاً تكون فيه القدوة من القمة وليس مجرد شعارات تستهدف القاعدة.

محاربة الكاش ليست مجرد مبادرة مالية، بل اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بمبادئ العدل والمساواة. والمواطن المغربي، الذي يدفع ثمن الأزمات الاقتصادية والسياسات المرتجلة، يستحق أكثر من وعود فارغة وإجراءات مؤقتة. إلى أن يتحقق ذلك، سيبقى الاقتصاد الموازي يعكس ظل عود أعوج، لن يستقيم مهما حاولنا تعديله من الأطراف.

 

سؤال يشغل بال العديد من المغاربة منذ سنة 2017، هو عندما استعاد السيد فوزي لقجع خزنته، هل صرح  بالمبلغ الذي كان بداخلها وأدىّ مستحقات الدولة كما فعل من صرحوا باموالهم مؤخرا، أم انه تركه في مكانه و كأن شيئا لم يقع؟

أعجبتك هذه المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد