أثارت حادثة اختراق قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي موجة واسعة من الجدل والغضب، بعدما كشفت مصادر متعددة أن الجهة التي نفذت الهجوم السيبراني محسوبة على خصوم البلاد. ورغم حساسية الواقعة التي تمس بشكل مباشر معطيات شخصية لملايين المنخرطين، اختار الصندوق إصدار بلاغ رسمي حاول فيه التخفيف من وطأة الحادثة بدل الاعتراف الواضح بالتقصير في حماية هذه البيانات الحيوية.
في البلاغ ذاته، لم ينفِ الصندوق بشكل قاطع واقعة الاختراق، بل اكتفى بتقديم تفسيرات وصفها المتابعون بمحاولة “التبرير” أكثر منها “توضيح”، حيث أشار إلى أن بعض المعطيات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي مزورة، متوعدًا الصحافيين ومختلف وسائل الإعلام باتخاذ إجراءات قانونية في حال الاستمرار في تغطية الموضوع. خطوة اعتبرها العديد من المهنيين والحقوقيين محاولة لإسكات النقاش العمومي عوض معالجته بمسؤولية وشفافية.
هذا الموقف أثار استياء عارمًا لدى شريحة واسعة من المنخرطين، الذين أعربوا عن خشيتهم من أن تكون بياناتهم الحساسة قد أصبحت في مهب الريح، بعدما تسربت إلى أيادٍ خارجية، مما يعرضهم لاحتمالات متعددة من الاستغلال والابتزاز. ولا تعد هذه المرة الأولى التي يُتهم فيها الصندوق بعدم حماية معطيات المنخرطين، إذ سبق للبعض أن ندد بما وصفوه بتسريب معلومات شخصية إلى محامين يمثلون مؤسسات بنكية في قضايا تتعلق بتعثر سداد القروض.
حادثة الاختراق الأخيرة لم تكتف بكشف هشاشة الأنظمة المعلوماتية للصندوق، بل فجرت أيضًا نقاشًا واسعًا حول طريقة تدبيره لموارد المنخرطين، في ظل انتقادات متزايدة بشأن صرف ميزانيات ضخمة على حملات إعلانية بدل الاستثمار في تقوية منظومته الأمنية الرقمية. وتوجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى الإدارة العليا للصندوق، وعلى رأسها المدير العام، الذي يجد نفسه اليوم في قلب العاصفة، مطالبًا بتحمل مسؤوليته الكاملة أمام الرأي العام وأمام ملايين المنخرطين المتضررين.
ويتفق المتابعون على أن فضيحة بهذا الحجم تستدعي أكثر من مجرد بلاغات محتشمة أو تهديدات فارغة، بل تتطلب فتح تحقيق معمق، وتحديد المسؤوليات بدقة، مع ترتيب الجزاءات المناسبة. ذلك أن الأمن السيبراني لم يعد ترفًا أو خيارًا مؤجلًا، بل أضحى ضرورة حتمية لحماية مصالح المواطنين وصون السيادة الوطنية في وجه كل من يحاول النيل منها عبر الحروب الرقمية.