المحرر الرباط
يبدو أن عبد اللطيف حموشي، الرجل الذي لطالما كان في قلب المعادلة الأمنية بالمغرب، لا يزال يثبت أنه ليس مجرد مدير لجهاز أمني، بل شخصية استراتيجية تتقاطع عندها الحسابات الدولية، خاصة حين يتعلق الأمر بالمواجهة غير المعلنة بين المغرب والجزائر في مسرح النفوذ الإقليمي والدولي. محاولات الجزائر المتكررة لتشويه صورة الرجل، سواء من خلال الإعلام أو عبر اختراقات مدروسة داخل الجالية المغربية بأوروبا، باءت بالفشل أمام صلابة الموقف المغربي ونقاء سجل الحموشي، الذي لم يثبت فقط براءته من كل الادعاءات، بل خرج مرفوع الرأس، مكللًا بالأوسمة، محاطًا بالاحترام الدولي.
هذه الحرب الخفية التي خاضتها الجزائر ضد الحموشي لم تكن مجرد خصومة شخصية، بل كانت تعبيرًا عن انزعاج عميق من قدرة هذا الرجل على تحويل جهاز الاستخبارات المغربي إلى لاعب إقليمي يحظى بثقة العواصم الكبرى. تحركاته في إفريقيا لم تكن عابرة، بل كانت محملة برؤية استراتيجية وضعت المغرب في قلب معادلات الأمن الإقليمي، وهو ما جعل الجزائر تستشعر خطرًا يهدد علاقاتها التقليدية ببعض الدول الإفريقية. لكن المفارقة كانت في أن الحموشي لم يدخل في صراعات مباشرة، بل عمل بصمت وكفاءة، وراكم نقاط القوة واحدة تلو الأخرى حتى أصبح الحضور الاستخباراتي المغربي لا يمكن تجاوزه في أي نقاش أوروبي أو إفريقي حول الأمن ومكافحة الإرهاب.
ولم يكن تتويجه بالأوسمة مجرد تكريم رمزي، بل كان رسالة سياسية واضحة مفادها أن الرجل يحظى بثقة دولية نادرة، وأن الاتهامات التي حاول البعض ترويجها كانت مجرد أوراق احترقت بسرعة في نار التحقيقات الجادة. غير أن اللافت أن الحموشي لم يكتف بالدفاع عن نفسه، بل استغل هذه الحملة لإعادة ترسيخ موقع المغرب كحليف استخباراتي أساسي لأوروبا، وخصوصًا فرنسا وإسبانيا، الدولتان اللتان أصبح التنسيق مع الرباط في مجالات الأمن والهجرة ومكافحة التطرف عنصرًا لا غنى عنه.
ما يجب التوقف عنده اليوم هو أن الأجهزة المغربية، بقيادة الحموشي، لم تعد تكتفي بالدور التقليدي القائم على جمع المعلومات، بل باتت تساهم في منع كوارث حقيقية كانت ستحدث في عدد من الدول الإفريقية. المعلومات التي وفرتها الرباط، سواء في سياق عمليات تفكيك شبكات إرهابية أو مواجهة تهديدات عبر الحدود، جنبت شعوبًا كاملة حمامات دم، وهو ما جعل اسم المغرب يرتبط، في الأوساط الأمنية الدولية، بالموثوقية والنجاعة.
في خضم كل هذا، يتأكد مرة أخرى أن المعركة بين المغرب والجزائر لم تعد تقتصر على صراع دبلوماسي، بل تحولت إلى سباق نفوذ حقيقي، حيث يحاول كل طرف توسيع دائرته الإقليمية. غير أن ما يميز المقاربة المغربية، وتحديدًا من خلال شخصية مثل حموشي، هو اعتمادها على الكفاءة والمهنية والهدوء، لا على الضجيج الإعلامي ولا على توظيف العملاء. ويبدو أن هذا ما أربك الطرف الآخر، وجعله يحاول بكل الطرق عرقلة المسار، دون جدوى.
هذا التحول الاستراتيجي في موقع المغرب الأمني، والذي ساهم فيه الحموشي بشكل حاسم، يدفعنا للتفكير في ما هو قادم: هل سيتحول المغرب إلى شريك أول للاتحاد الأوروبي في قضايا الأمن؟ وهل سيعتمد على تجربته هذه لبناء نموذج أمني إفريقي متكامل؟ المؤشرات تقول نعم، والأحداث تثبت أن الطريق قد بدأت بالفعل.