أين تُصرف الملايير؟ وكالة المحافظة العقارية تغلق منصتها بعد هجوم سيبراني دون أن تكلف نفسها تحصينها مسبقاً

المحرر الرباط

 

في خطوة متأخرة وغير مبررة، أعلنت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية عن إغلاق منصتها الإلكترونية في وجه المهنيين والمرتفقين، بدعوى الهجوم السيبراني الذي استهدف مؤسسات إدارية حساسة في البلاد. هذا القرار، بدل أن يُطمئن المرتفقين ويبعث برسائل تطمين حول أمن البيانات وخدمات الأداء الإلكتروني، كشف واقعاً مقلقاً: غياب الجاهزية الرقمية لدى مؤسسة تُعد من بين أكثر المؤسسات العمومية مردودية مالية.

الوكالة، التي تجني مداخيل ضخمة من رسوم التسجيل والتحفيظ والمعاملات العقارية اليومية، لم تكلف نفسها عناء الاستثمار الحقيقي في تحصين بنيتها الرقمية. والغريب أن التحرك لم يأتِ إلا بعد اختراق موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكأن الأمر تطلب صفعة إلكترونية على مستوى مؤسسات أخرى حتى تستفيق من سباتها الرقمي.

من المفارقات أن منصة الوكالة لا تكتفي بتقديم معطيات حول الأملاك العقارية، بل تشمل أيضاً خدمات الأداء الإلكتروني، ما يجعلها هدفاً من الدرجة الأولى لأي محاولة اختراق. ومع ذلك، لا يبدو أن الوكالة أولت أولوية حقيقية لهذا الجانب الحيوي. فأين تُصرف كل تلك العائدات المالية إن لم تكن أولى الأولويات هي حماية المعطيات الحساسة للمواطنين والمؤسسات؟

قرار الإغلاق المؤقت، في حد ذاته، يعكس غياب خطة طوارئ رقمية واضحة. فبدلاً من توفير بدائل مؤقتة أو طمأنة المستخدمين حول مصير بياناتهم ومعاملاتهم الجارية، اختارت الوكالة الحل الأسهل: قطع الخدمة بالكامل، وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأن الرقمنة كانت مجرد واجهة براقة لا عمق لها.

في زمن أصبحت فيه الأنظمة المعلوماتية قلب المؤسسات، لا يُعقل أن تظل جهات حيوية بهذا الحجم تتعامل مع التهديدات السيبرانية بنفس الذهنية البيروقراطية القديمة. المطلوب اليوم ليس فقط عودة المنصة، بل تقديم توضيحات للرأي العام حول ما تم اختراقه بالفعل، وما هي إجراءات التحصين المتخذة، والأهم: كشف أوجه صرف الميزانية الضخمة التي تُراكمها الوكالة سنة بعد أخرى.

لأن المؤسسات التي تستهين بأمنها الرقمي، إنما تستهين بمواطنيها وثقتهم.

أعجبتك هذه المقالة؟ شاركها على منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد