المحرر الرباط
لا ندري إن كانت كاتبة الدولة المكلفة بقطاع الصيد البحري تعي ما تقول فعلًا، أو أنها باتت على يقين تام بأنها تخاطب نواب أمة لا يُنتظر منهم سوى الحضور الشكلي للبرلمان، في مشهد أقرب إلى “تقرقيب الناب” منه إلى مراقبة وتقييم السياسات العمومية.
السيدة زكية الدريوش صرّحت قبل حوالي اسبوعين تحت قبة البرلمان، وبكل ثقة، أن ست وحدات لتعليب السمك بمدينة الداخلة توفّر 12,000 منصب شغل. رقم صادم، لا لكونه مبشّرًا، بل لأنه ببساطة لا ينسجم مع الواقع ولا مع أبسط قواعد المنطق الصناعي. مصانع تعتمد في جزء كبير من سلاسل إنتاجها على الآلات والمكننة، كيف لها أن تشغّل هذا العدد الضخم؟ أهو إنجاز خارق أم مجرد وهم يُراد لنا ابتلاعه دون مساءلة؟
ولمن يستهين بهذا الرقم، دعونا نُجري مقارنة بسيطة: سلسلة متاجر مرجان، والتي تنتشر بـ130 فرعًا في أكثر من 30 مدينة، لا يتجاوز عدد موظفيها 14,000. شركة رونو المغرب، التي تنتج أكثر من 413,000 مركبة سنويًا، وتُصدّر 80% من إنتاجها إلى 68 دولة، لا يتجاوز عدد عمالها 13,000. أما تعاونية كوباك، التي تغطي مختلف جهات المملكة بمنتجاتها من الحليب ومشتقاته، فعدد موظفيها لا يتجاوز 8,000. ومع ذلك، تُريدنا السيدة كاتبة الدولة أن نصدّق بأن ست وحدات صغيرة في الداخلة، ذات تجهيزات ضيقة ومحدودة، توفّر 12,000 وظيفة!
من يعرف تلك المعامل، ويعرف مساحاتها وطبيعة عملها، يعلم جيدًا أن بعضًا منها لا يتسع حتى لوقوف ألف شخص داخلها، دع عنك تشغيل الآلاف. فهل هذا تضخيم مقصود؟ أم محاولة بائسة لصناعة وهم تنموي هش على الورق؟
وهنا نطرح سؤالًا بسيطًا: أين هو المكتب الوطني للضمان الاجتماعي من كل هذا؟ إذا كانت فعلاً هذه المعامل تشغّل 12,000 عامل، فذلك يعني عشرات الملايين من الدراهم شهريًا تُضخ في صناديق الضمان الاجتماعي. فهل من تتبّع؟ هل من مساءلة؟ أم أن التصريحات الكاذبة تمرّ مرور الكرام ما دامت تصدر من منصة رسمية؟
في دولة تحترم عقل المواطن، يُفتح تحقيق في مثل هذا التصريح، ويُطالب صاحبه بالإثبات أو الاعتذار. أما عندنا، فكفى أن ترتدي صفة “مسؤول حكومي” حتى يُقبل منك ما لا يُقبل في أبسط المجالس القروية.
ما قالته كاتبة الدولة ليس مجرد زلة لسان، بل استخفاف بالعقول، وتكريس لمنهجية التعتيم والتضليل. هذا تصريح لا يجب أن يمرّ، بل يجب أن يُسجَّل كدرس بليغ في كيف تتحوّل المؤسسات العمومية إلى أبواق لإنتاج الأرقام الفارغة والكلام المعسول الذي لا يُطعم جائعًا ولا يُقنع عاقلًا.