المحرر الرباط
مع انطلاق عملية الإحصاء الخاصة بالخدمة العسكرية لسنة 2025، يعود الجدل مجددًا إلى الواجهة حول مدى شمولية هذه الخدمة الوطنية لمختلف فئات المجتمع، خاصة في ظل تساؤلات مشروعة يطرحها عدد من النشطاء حول مشاركة أبناء المسؤولين، من وزراء وبرلمانيين وأصحاب النفوذ، في أداء واجب التجنيد.
ويتساءل هؤلاء، بصوت عالٍ، عمّا إذا كانت وزارة الداخلية مستعدة لإجراء إحصاء موازٍ يسلّط الضوء على عدد أبناء الوزراء، والبرلمانيين، والمستفيدين من الامتيازات العمومية، ممن سبق لهم أن أدوا الخدمة العسكرية، أو تطوّعوا لها منذ إعادة العمل بها. وهي أسئلة تزداد إلحاحًا أمام غياب أي مؤشرات واضحة على مساهمة أبناء “الصفوة” في هذه المبادرة الوطنية التي يُراد لها أن تكون شاملة.
وفي هذا السياق، دعا نشطاء إلى نشر معطيات شفافة حول عدد أبناء المسؤولين، لا سيما أولئك الذين يُمنحون امتيازات ضخمة في مجالات الاستيراد والصفقات العمومية، لمعرفة مدى انخراطهم الفعلي في الخدمة العسكرية التي يُفترض أنها تجسيد للمساواة في المواطنة.
ويثير هذا الموضوع جدلًا مضاعفًا حين نعلم أن الحكومة الحالية تضم حوالي 30 وزيرًا، دون أن يُعرف إن كان أيٌّ من أبنائهم قد بادر بالتسجيل أو تطوّع فعلًا للخدمة العسكرية، على غرار آلاف الشباب من أبناء الشعب الذين ينخرطون فيها بدافع الحس الوطني والالتزام بالقرارات الملكية.
ورغم حساسية هذا النقاش، إلا أنه يعكس توقًا شعبيًا إلى تكريس مبدأ العدالة في تحمل المسؤوليات الوطنية، خاصة حين يتعلق الأمر بخدمة تُقدَّم على أنها واجب وشرف في الآن ذاته. فالرسائل الملكية كانت دومًا واضحة في التأكيد على أهمية الانخراط الجماعي، دون استثناء، في هذه التجربة التي تروم بناء مواطن صالح ومتمكن.
غير أن المتتبعين لا يخفون استغرابهم من ضعف الحملات التواصلية المصاحبة لهذه العملية الوطنية، إذ تبقى الإعلانات حولها محتشمة ولا ترقى لمستوى التعبئة المطلوبة، في وقت تواصل فيه فئات عريضة من الشباب التسجيل التلقائي، تعبيرًا عن ثقة في المؤسسات وانسجام مع روح المبادرة.
إن الرهان على نجاح الخدمة العسكرية لا يمر فقط عبر استهداف الفئات الهشة أو المتوسطة، بل يفرض بالضرورة إشراك الجميع، بما فيهم أبناء “النافذين”، لترسيخ مصداقية المشروع الوطني، وإعادة الاعتبار لقيم المواطنة الفاعلة، بعيدًا عن الصورة النمطية التي تجعل من الخدمة العسكرية امتيازًا اجتماعيًا مقلوبًا، لا يتكلف عناءه إلا أبناء “الطبقات السفلى”.