شبح “الموت” لا يفارق مرضى “الثلاسيميا” في المغرب

المحرر ـ متابعة

وجوههم شاحبة كأن شبح الموت يلقي بظلاله عليها، وأجسادهم منهكة، ونظراتهم يغلب عليها الحزن، مهما حاولوا تغطيتها خلف ابتسامة تختلط فيها مرارة الألم بحلاوة الأمل.

هم مرضى “الثلاسيميا” في المغرب، الذين يعيشون معاناة مزدوجة، تتجلى في صعوبة تشخيص المرض والتكاليف المالية المرتفعة لتلقي العلاج مدى الحياة، وما يرافق ذلك من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة.

يندرج هذا المرض ضمن قائمة الأمراض النادرة، وتكمن خطورته في كونه يجعل الجسم غير قادر على إنتاج كريات دم حمراء سليمة؛ ما يوجب على المصاب به أن يخضع لمتابعة طبية مدى الحياة.

وعلى وجه الخصوص، ينتشر هذا المرض في دول البحر الأبيض المتوسط، ما يجعله يسمى أيضا بـ”مرض فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط”.

وبخلاف المغرب، نجحت كل من قبرص، واليونان، وإيطاليا في القضاء على هذا المرض (عدم ظهور حالات جديدة)، بعد اتخاذها، منذ سنوات، حزمة إجراءات، في مقدمتها إلزامية إجراء فحص خاص قبل الزواج لا يكلف أكثر من 200 درهم (20 دولارا أمريكيا).

** صعوبة التشخيص

لا تظهر أعراض مرض “الثلاسيميا” عند الولادة فورا؛ فطفل “الثلاسيميا” لا يختلف مظهره عن بقية حديثي الولادة.

لكن بعد الأشهر الستة الأولى تبدأ معاناة الرضيع من علامات فقر الدم، حيث يشحب وجهه، ويتعرض للالتهابات، وينخفض مستوى خضاب الدم (الهيموجلوبين) عنده.

نتيجة لذلك يصبح الرضيع المريض في حاجة إلى عمليات نقل دم دورية، وتناول يومي لدواء إزالة الحديد الزائد في الجسم.

وعرف البروفسور محمد الخطاب، رئيس مصلحة أمراض الدم والأورام في مستشفى “ابن سينا” بالعاصمة الرباط (حكومي)، هذا المرض بكونه: “عدم قدرة الجسم على إنتاج كريات دم حمراء سليمة”.

وتابع الخطاب موضحا، في حديث للأناضول: “نظرا لأهمية هذه الكريات في تزويد أعضاء الجسم بالأوكسجين الضروري للحياة، فيلزم المريض الحصول على دم بجودة عالية على الأقل مرة في الشهر مدى الحياة”.

ولفت إلى “أن النقل المتكرر للدم ينتج عنه تراكم للحديد، خاصة في الأعضاء الحيوية، كالكبد والقلب، مما يوجب على المصاب تناول أدوية مثبطات الحديد بصفة يومية”.

ويبلغ سعر العلبة الواحدة من دواء “مثبطات الحديد” حوالي 5000 درهم (500 دولار).
وشدد الخطاب على أنه “إذا لم يتناول المريض دواءه يوميا دون انقطاع، فإنه معرض لخطر الموت قبل بلوغ 22 عاما”.

** معاناة مع العلاج

لا تتوقف رحلة علاج مرضى “الثلاسيميا” ما داموا على قيد الحياة، وتتضاعف معاناتهم مع التنقل إلى مستشفيات الرباط والدار البيضاء (شمال)، في ظل غياب إمكانية تلقي العلاج في سواهما عبر ربوع المملكة.

ولأن بنك الدم في المغرب يعاني من نقص كبير، بسبب ضعف التبرع بهذه المادة الحيوية، يشترط “مركز تحاقن الدم” (حكومي) على المرضى أن يأتوا بمتبرعين شهريا لقاء الحصول على أكياس الدم التي تلزمهم للبقاء على قيد الحياة.

وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بـ”الثلاسيميا” في المغرب بثلاثة آلاف مريض، يحتاج كل منهم 34 كيسا (سعة الكيس الواحد 200 مليلتر) من الدم سنويا.

ويحتوي كل كيس من الدم على 200 مليغرام من الحديد، ما يفرض على المريض تناول دواء “تشطيب الحديد”، الذي يكلف بين 30 و40 ألف درهم سنويا (حوالي 4000 دولار) إذا كان عمر المريض أقل من خمس سنوات، و150 ألف درهم (نحو 15 ألف دولار) إذا كان أكثر من 20 سنة.

ويظل مرضى “الثلاسيميا” في المغرب تحت رحمة أكياس الدم المتوفرة، مجبرين على الانتظار لأيام إذا كانوا من ذوي فصيلة نادرة، مثل “O سالب”.

** مضاعفات جانبية

“سناء عمي” (32 سنة)، إحدى المصابات بهذا المرض، وتعمل رئيسة للمكتب التنفيذي لجمعية آباء وأبناء “الثلاسيميا” في الرباط.

وقالت سناء للأناضول: “معاناتي مع المرض بدأت منذ سنوات الطفولة بعجز الأطباء عن تشخيص مرضي، واعتقادهم في البداية أنه حالة من فقر الدم الشديد”.

وتابعت: “وصف الأطباء لي أدوية غير مناسبة تناولتها لمدة سنتين دون أي تحسن يذكر”.

وازدادت معاناة سناء، كما قالت، بعد تشخيص مرضها، إذ “أصبح لزاما علي زيارة المستشفى كل ثلاثة أسابيع، للحصول على 3 أكياس من الدم، وتناول دواء تشطيب الدم من الحديد يوميا”.

ورغم تناول دواء “تشطيب الحديد”، فإن معظم المرضى لا ينجون من مضاعفاته، وبينها تأخر ظهور علامات البلوغ، وقصور الغدد التناسلية.

وبالنسبة للمرضى الذكور يعانون من عدم طول أعضائهم التناسلية، وبالنسبة للمرضى الإناث لا ينمو ثديهن ولا تبدأ عندهن الدورة الشهرية.

وحتى إذا ظهرت علامات البلوغ في بعض الحالات، فإن تأثير الحديد على الغدد الصماء يسبب توقفا للطمث عند الإناث وعجزا جنسيا عند الذكور، مع تناقص في إفراز “المني”، وربما يتطور الأمر إلى العقم.

كل هذه الاختلالات تسبب إجهادا نفسيا كبيرا لدى المرضى، خاصة في سن المراهقة.

** الأمراض النادرة

ومنذ 2010، تاريخ إعلان وزارة الصحة المغربية عن اتخاذها إجراءات لتوفير ظروف إجراء عملية لزراعة النخاع العظمي في المغرب، ما يزال مرضى “الثلاسيميا” ينتظرون تحقيق هذا الحلم، رغم ارتفاع تكلفة العملية، التي قد تصل إلى 500 ألف درهم (نحو 50 ألف دولار).

وانتبهت وزارة الصحة المغربية، قبل خمس سنوات تقريبا، إلى الأمراض النادرة أو المهملة، رغم محدودية عدد المصابين بها، ووضعت خطة للعناية بهم، في محاولة لتبديد الصعوبات التي يواجهها المرضى.

ويتم تعريف الأمراض النادرة بدرجة وجودها بين البشر، والتي تقل عن واحد لكل 2000 نسمة، وجرى التعرف في العالم حتى اليوم على أكثر من 7000 مرض نادر، حسب منظمة الصحة العالمية.

وتتنوع بين أمراض عصبية عضلية، وأمراض المناعة الذاتية، وأمراض “استقلابية” تحدث بسبب خلل ببعض التفاعلات الكيميائية التحويلية داخل الجسم، إضافة إلى أمراض تعفنية، وكثير من هذه الأمراض وراثية، وتظهر منذ الولادة.

وكالات

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد