موسم الهجرة إلى الجنوب الشرقي

المحرر : سعيد السباك

 

 

الزمان: العشر الأوائل من ذي الحجة (العواشر)
المكان: محطات المدن المستوردة لليد العاملة الجنوبية الشرقية للمغرب، المحتضنة لأحلام العديد منهم والمفروضة في الآن نفسه على السواد الأعظم منهم ذكورا و إناثا.
الحدث: مناسبة دينية مترسخة العشر الأولى من ذي الحجة $العواشر$ وفيها “عيد الاضحى” المبارك
أزيز الحافلات يزيد المكان زحمة، كموكب عرس جماعي، ترتفع وسطه صياح جحافل بحَّت وهي تنادي ليل نهار لوجهات الجنوب الشرقي، تحمل في يدها أوراق ملونة، كأنها تصطاد بها طرائدا ثمينة. توقف الأفواج المتوجهة للمحطة جموعا وأفرادا تتسابق لظفر بأكبر عدد منهم. وتغريهم بما لا تملك من حافلات مركونة في جنبات المحطة، بعضها متهالك خارج الخدمة منذ زمن، لكنه يستعمل لتغطية نقص نقل الجموع لتلتقى عائلاتهم من جديد وتتقاسم معهم بعض ما اكتسبوا والكثير من الفرح والسرور. شوقا ينسى هذه الجموع جور الوسطاء وغياب مراقبة لأسعار النقل الملتهبة، المحطة كأنها ساحة الوغى، وهذه الجحافل التي تصول وتجول في المحطة جيئة وذهابا تبحث عن فرائس تحمل متاعها فتسرق رزقهم وتباركه ببعض الصياح أحيانا، إنهم حثالة القوم وجدت لنفسها مهنة حيث تقتات على حاجة ” المهاجرين”. فتغويهم كشياطين علهم يجودوا عليهم ببعض من عرق جبينهم ثارة بالتوسل وثارة أخرى تفرض عليهم ضرائب عن الأمتعة أو حتى عن الوساطة أو حجز أماكن وغيرها. ذئاب آدمية لا تراعى دين ولا ملة تفترس رزقهم كأنهم وتفرض عليهم أثمنة كأنهم في رحلة عبر مكوك فضائي.
وسط هذه الدوامة من الجموع العازمة على الرحيل، المختلطة ببعض الباعة المتجولون، هذا يبيع قنينات ماء وآخر يبيع دواء يحلف يمينا أنه لا يوجد في الصيدليات، وأخرون يبيعون ما استطاعوا أن يحملوه من إكسسوارات إلكترونية مزورة. لم يجد كثير عناء في تتبع مصدر الصياح الذي لا يكاد يتوقف لوجهات الجنوب الشرقي لون بشرته فضحه وكشف للجميع عن وجهته. لتتلقفه وجوه وألسنة احترفت الكلام ذئاب وجدت لنفسها مهانة تحصل من خلالها بضع دراهم و بإطناب مبالغ فيه، يحكي له عن جودة الحافلة الفريدة وأنها تسابق الريح و بها مكيفات وما إلى ذلك مما يمكن أن يرغمه على أن يمد يده إلى جيبه ويجود عليه، وهما يدركان أنها مجرد جمل حفظها فيعيدها كببغاء طوال اليوم.
لم يكن له من خيار إلا أن يتفاوض بما يسمح له المجال حول السعر المضاعف، ليستعذر بأنه يدفع ثمن الذهاب والإياب، ذلك أنهم يعودوا حسب وصفهم خالي الوفاض هو يعرف أنهم يكذبون وهم كذلك، و لكن ماذا عساه يفعل. دفع ثمن التذكرة وكان عليه أن يخوض حرب أخرى بسبب متاعه، حيث طالبه شخص آخر بالدفع مقابل ترتيب المتاع بالحافلة، دهشته أقوي عندما صعد معه شخص آخر الحافلة وأزال بضع أوراق صحيفة عن كرسي يبدوا أنه محجوز، فيطلب منه بضع دراهم جزاء حجزه الكرسي له.
كان الفصل صيفا، ولم تكن الحافلة سوى هيكل ضخم بها محرك يصدر أصوات غريبة، وكراسي نحيفة نال منها الزمن. أنين طفل صغير خلفه منعه النوم طوال نصف الطريق، يبدوا أنه لم يتحمل حرارة الحافلة المفرطة.
لم تكن كل هذه المعاناة والكوابيس لتثنيه عن عزمه، وضع رأسه على مخدة صغيرة وغرق في نوم عميق لم يفسد حلاوته سوى أزيز فرامل الحافلة، عند كل منعطف

شارك هذا المقال على منصتك المفضلة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد